علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

الخوف والارتجاف

الخوف من الأمور الطبيعية للإنسان، فقد يخاف من حيوان مفترس أو من الظلام الدامس أو من شخص له سُلطة كالأب أو المعلم، أو من ذي سلطان يستطيع أن يُنفذ وعيده. وأول درجات الخوف يجب أن تكون من الله سبحانه.

الخوف من عذابه ووعيده، وفي نفس الوقت نتمسّك بالرجاء في عفوه وغفرانه وعطائه وكرمه وإحسانه، وكما قال ابن القيم:

“القَلبُ في سَيرِهِ إلى الله عَزَّ وجَلَّ بِمَنْزِلة الطَّائر، فَالمَحَبّة رَأْسُهُ والخَوفُ والرَّجَاءُ جَنَاحَاه، فَمَتَى سَلِمَ الرَّأسُ والجَنَاحَان فَالطَّيرُ جَيد الطَّيرَان، ومَتَى قُطِعَ الرَّأس مَاتَ الطَّائر، ومَتَى فَقَد الجَنَاحَان فَهو عُرضَة لِكُلِّ صَائِد وكَاسِر، ولكِنَّ السَّلَف استَحَبُّوا أنْ يَقوى في الصّحة جَنَاحُ الخَوف على جَنَاح الرَّجَاء، وعِنْدَ الخُرُوج مِنَ الدُّنيا يَقوى جَنَاحُ الرَّجَاء على جَنَاح الخَوف”.

إنّ رفع الأكف بالضّراعة لا تكون إلا لله الخالق، فنقف في مِحرابه مُنتصبين نطرق بابه خاشعين، فترتجف الأوصال وترتعد الفرائص وتنهمر الدموع وتقشعر الجلود والأبدان، وتلين الجلود والقلوب من ذِكره.

ويوجد الخوف المرضي أو الفوبيا ويُطلق عليه (الرُّهاب)، وهو زيادة الخوف والمبالغة فيه، وهذا الخوف قد يصحب الفرد منذ طفولته حتى الكِبَر كتعرّضه لحادث أو مشكلة، وقد يحدث لرؤية الدم -مثلًا- أو النظر من مكان مرتفع شاهق، وينبغي التدريب على تلافيه والشفاء منه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الأمور التي تزيد من الخوف

ومن الأمور التي تزيد من الخوف الإفراط في استخدام السُّلطة كالأب والأم في المنزل، مما يؤدي إلى سلوك غير سوي، أو رئيس العمل مما يؤدي إلى كُره الموظفين له وللعمل، أو مدير المدرسة والمعلم مما يعمل على نفور الطلاب وتسرّبهم وعدم إقبالهم على الدراسة.

وقد يرتعد الفقراء من البرد من عدم كفاية الملابس أو المكان الذي يؤويهم وإهمال رعايتهم، أو أطفال الشوارع وتشرّدهم الذين ينامون في العَرَاء وتحت الكباري، وانغماسهم المشؤوم في الرذائل والأعمال غير الأخلاقيّة، فيجب الاهتمام بهم والنظر إليهم وتعليمهم والاستثمار فيهم لصالحهم وصالح المجتمع،

فهم طاقات مُهْدَرَة، وكما قال (فيكتور هوجو): “إنّ جميع الإشعاعات الاجتماعية السّخية لتنبثق عن العِلم، عن الأدب، عن الفنون، عن التعليم، اصنعوا رجالًا، اصنعوا رجالًا. امنحوهم الضياء لكي يعطوكم الدفء”.

من الصعب أن تهاجم عندما تكون مُرتبكًا

وأذكر هنا ما قاله الأديب والقاضي السوري (علي الطنطاوي) في مسألة إنسانية حيث قال: “كان الشيخ (سليم المسوتي) -رحمه الله- وقد كان شيخ أبي وكان على فقره لا يرد سائلًا قط، ولطالما لبس الجُبّة أو (الفروة) فلقي بردان يرتجف فنزعها فدفعها إليه وعاد إلى البيت بالإزار، وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها السائل.

وكان يومًا في رمضان وقد وضعت المائدة انتظارًا للمدفع، فجاء سائل يُقْسِم أنّه وعياله بلا طعام، فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له فأعطاه الطعام كله! فلما رأت ذلك امرأته ولولَتْ عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده، وهو ساكت.

فلم تمرّ نصف ساعة حتى قُرِعَ الباب وجاء مَنْ يحمل الأطباق فيها ألوان الطعام والحلوى والفاكهة، فسألوا: ما الخبر؟ وإذا الخبر أنّ (سعيد باشا شموين) قد دعا بعض الكبار فاعتذروا، فغضب وحلف ألا يأكل أحد من الطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ (سليم)، قال: “أرأيت يا امرأة!”.

إنّ الإنسان منّا يحتاج إلى صفاء النفس، ونقاء الروح، وسلام في المشاعر، وتدفق المحبة من القلب، وفيضان السرور والانشراح، وغيض وزوال الشعور بالحزن والكآبة.

فذات مرة سُئل مدرب كرة القدم العظيم “فينس لو مباردى” –مدرب فريق “جرين بي باكر”– عن السبب في أنّ فريقه الحاصل على بطولة العالم والذي يضم العديد من اللاعبين متعددي المهارات يقوم بمثل هذه المجموعة من اللعبات البسيطة فأجاب: “من الصعب أن تهاجم عندما تكون مُرتبكًا”.

اقرأ أيضاً:

الخوف والتجهيز للسيطرة على الجموع

بين جناحي الخوف والرجاء

المخيف هو الخوف نفسه 

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر