فن وأدب - مقالاتمقالات

هل نجحت السينما في التصدي لظاهرة انتشار المخدرات؟

منذ بداية السينما المصرية وهي مهتمة بالتطرق لظاهرة تجارة وإدمان المخدرات لما لها من آثار سلبية كبيرة على الفرد والمجتمع، عديد من الأفلام تطرقت لها، البعض نجح في إبراز خطورتها وآثارها على المجتمع، والبعض الآخر فشل واستغلها تجاريا من خلال الإفراط في مشاهد الأكشن والعنف والثراء الفاحش والنفوذ الذي يصل له تاجر المخدرات.

فيلم “الهاوية”

البداية كانت عام 1930 عندما قدّم توجو مزراحي فيلم “الهاوية” من إنتاجه وتأليفه وإخراجه وأيضا تمثيله، والذي تناول ظاهرة انتشار الكوكايين في المجتمع المصري، حيث أشارت وقتها بعض التقارير إلى أن أكثر من نصف المجتمع المصري يتعاطى الكوكايين، وبغض النظر عن المبالغة في هذه الإحصائية إلا أنها تشير إلى خطورة ما وصل له المجتمع المصري وقتها بسبب هذا المُخدِر،

عُرض فيلم الهاوية في الإسكندرية عام 30 وهو فيلم صامت، ثم تم إعادة عرضه في القاهرة في فبراير 31 تحت اسم “الكوكايين”، ثم عُرض مرة ثالثة عام 34 بعد إضافة شريط الصوت له، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا حتى أن حكمدار العاصمة والبوليس المصري وقتها وجه خطاب شكر لتوجو مزراحي بسبب هذا الفيلم ونجاحه في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والتحذير منها.

سلسلة أفلام فريد شوقي

في بداية الخمسينات قدّم فريد شوقي سلسلة من الأفلام التجارية والتي تناولت ظاهرة تجارة المخدرات، لكن غلب على هذه الأعمال الاهتمام بالشكل التجاري للفيلم أكثر من التعمق في أسباب هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع، حيث زاد من مشاهد الأكشن والمطاردات بين أفراد العصابة والبوليس التي يرغب فيها الجمهور دون التطرق لخطورة هذه الظاهرة على المجتمع،

(حميدو 53، سلطان 53، فتوات الحسينية 54، رصيف نمرة 5 عام 56)، وحققت هذه الأعمال نجاحا كبيرا وصنعت من فريد شوقي نجما جماهيريا لُقب بوحش الشاشة وقتها. واستمرت السينما المصرية في تقديم أفلام المخدرات على هذه النهج دون أي تعمق في أسباب الظاهرة أو كيفية الانتصار عليها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فيلم “المدمن” الأقرب للواقع

مع بداية السبعينات حدث تغير كبير في هذه النوعية من الأفلام، حيث غلب عليها ضخامة الإنتاج بسبب مشاهد العنف والأكشن والمطاردات، وأيضا الثراء الفاحش لتجار المخدرات، والنفوذ والسلطة التي تمتعوا بها في المجتمع مع ظهور سياسة الانفتاح

ودخول أنواع جديدة من المخدرات، وتحول الصراع العربي الإسرائيلي من الحرب التقليدية إلى حروب أخرى، من بينها إغراق المجتمع العربي بالمخدرات، وهو ما تم الإشارة إليه في أكثر من عمل (الباطنية، شبكة الموت، الإمبراطور، الوحل).

وفي الثمانينات ظهرت هناك أعمال أخرى قدمت تُجار المخدرات كأصحاب قوة ونفوذ وبعضهم فاعلي خير وإحسان، ولم تقدم هذه الأعمال أي جديد في التصدي لظاهرة انتشار المخدرات كما في (أرض الخوف، النمر والأنثى، مملكة الهلوسة، حتى لا يطير الدخان).

ومع ظهور تيار الواقعية الجديدة تغير شكل الفيلم بشكل عام وأصبح أقرب للواقع والحقيقة حتى وإن كان صادما، ولعل أفضل الأفلام التي تناولت هذه الظاهرة بشيء من العمق كان فيلم “المدمن” عام 83، و

هو الفيلم الوحيد الذي تحدث عن تأثير المخدرات على الشخص من خلال بطل الفيلم الذي يعاني من أزمة نفسية بسبب موت ابنه وزوجته في حادث، واحساسه أنه هو المسؤول عن موتهما وهروبه للمخدرات والإدمان، وتحوله إلى مجرم وشخص مضطرب نفسيا، وحقق الفيلم نجاحا جيدا.

فيلم العار 82 أحد أشهر الأفلام التي تناولت هذه الظاهرة، وتحدث الفيلم من زاوية مختلفة وهي المال الحرام وتبرير بعض الناس له، وأن الفقر أفضل كثيرا من مال حرام جاء من قتل الأبرياء، بعده مباشرة قدم صُناع هذا العمل فيلما آخر هو الكيف 85، وتحدث عن تأثير المخدرات على الإنسان والمجتمع من خلال تغييب وتخريب العقول سواء بالمخدرات أو بالفن الفاسد، حيث وضع الفيلم الاثنين في مكانة واحدة لها نفس التأثير السيئ.

نجاح السينما في عرض الظاهرة

من الجيد أن نتطرق لأي ظاهرة أو خطر يُهدد المجتمع، لكن الأفضل أن نتطرق لها بالشكل الذي يفيد المجتمع ويُحِد من تأثير هذه الظاهرة، وليس مجرد استغلال لها ولاهتمام الناس بها وبعالمها الغامض، ونحقق منها نجاحا تجاريا، ثم نبحث عن ظاهرة أخرى نستغلها وهكذا،

بعض هذه الأفلام أظهرت تجار المخدرات بصورة أقوى من رجال الشرطة، يتمتعون بالقوة والنفوذ والجميع يهابهم، ومع زيادة معدلات البطالة والفقر وأمراض اجتماعية كثيرة قد يجد هذا الأمر هوى في داخل أحد الشباب، ويكون العمل الفني هو السبب في هذا التحول.

باختصار نستطيع أن نقول أن السينما المصرية نجحت إجمالا في عرض ظاهرة انتشار المخدرات وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع، رغم سلبيات التناول في بعض الأفلام والترغيب في قوة ونفوذ هؤلاء التجار.

اقرأ أيضاً:

الوجه القبيح خلف القناع

الاضطرابات النفسية والإدمان

نتفليكس مصر بداية جديدة بدأت بهدوء لكنها ستضرب بقوة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا