مقالاتسارق ومسروقفن وأدب - مقالات

سارق ومسروق – الوجه الرابع والثلاثون

أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"

اقتنعت زوجة السارق و ابنه وبنته أنه في حاجة إلى وقت مستقطع، كي يلتقط أنفاسه المبهورة، ويعيد التفكير في كل شيء، بما يجعل الكآبة ترحل أو تخف.

كان الابن يعرف المدخل الأول لإقناعه، فدخل إليه قبيل منتصف الليل، ليجده واقفًا في منتصف غرفته، يشخص ببصره نحو السقف الأبيض، ويرفع ساقه اليمنى، ويضرب قدمه في الأرض بقوة، وكذلك مع اليسرى.

اقترب ابنه منه في هدوء، وقال له:

ـ استرح.

فتوقف عما يفعل، ورمى إليه عينين مجهدتين، وقال:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ـ يبدو أن الراحة ستطول.

وجد كلامه مشجعًا، فقال:

ـ بل ستكون مؤقتة، لكنها لازمة.

وحدثه عن إجازة قصيرة في الساحل الشمالي، ولما لم يجد منه صدًى، عزم أمره على أن يكون الذهاب بعد غد على الأكثر، وقد كان له ما أراد.

هناك حيث تنام السماء على الموج، وتبتلع المياه الشمس، ولا يجد النسيم جدرانًا تصده، أخذ السارق نفسًا عميقًا، وحاول نسيان كل شيء: من سرقهم، وذلك الرجل الأريب الذي صاده في سهولة، كأنه سمكة عمياء بلا ذيل ولا زعانف…

وفي لحظة اعتقد أنه قد حقق ما يريد، إلى أن انهالت عليه الوجوه من كل جانب، فرآها في صفحات رواية بوليسية جلبها ابنه معه وأعطاها له، رغم معرفته بكراهية أبيه للقراءة، لعله يجد فيها ما يسري عن نفسه أو يسليه!

أغلق الكتاب ونظر عن يساره حيث الموج المتلاحق بلا نهاية، فرأى على كل موجة وجها، لكن هذه المرة، لم تعلق الوجوه في الفراغ، أو تحط على شيء ناعم أو خشن، كالعادة، إنما تدلت منها أجسادا، فاكتمل البنيان،

فصار جيشا كاملا يجري فوق الماء ناحيته، وكل منهم قد أشهر في يده شيء يلمع، ولم يكتف بالابتسامة التي كانت في سالف الأيام، فما كان منه سوى أن ترك كرسيه المغروس في الرمل تحت شمسية ملونة تتراقص في النسيم، وجرى بكل ما وسعه من قدرة نحو اليابسة.

اقرأ أيضاً:

الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع، الوجه الخامس

الوجه السادس، الوجه السابع، الوجه الثامن، الوجه التاسع ، الوجه العاشر

الوجه الحادي عشر، الوجه الثاني عشر، الوجه الثالث عشر، الوجه الرابع عشر

الوجه الخامس عشر، الوجه السادس عشر، الوجه السابع عشر

الوجه الثامن عشر، الوجه التاسع عشر، الوجه العشرون، الوجه الحادي والعشرون

الوجه الثاني والعشرون، الوجه الثالث والعشرون، الوجه الرابع والعشرون

الوجه الخامس والعشرون، الوجه السادس والعشرون، الوجه السابع والعشرون

الوجه الثامن والعشرون، الوجه التاسع والعشرون، الوجه الثلاثون

الوجه الحادي والثلاثون، الوجه الثاني والثلاثون، الوجه الثالث والثلاثون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري