عندما يتدخل الإنسان
كثيرا ما ينصح الإنسان ألا يفكر في الأمور الغيبية والتي تتعلق بوجوده ومصيره ومعاناته بالمقاييس المادية لعقله؛ لأنه قد يجانبه الصواب؛ لأن القوانين المادية التي يفكر بها تختلف عن القانون الأسمى الذي يسير شئون الحياة بما فيها، وهذا اتجاة يؤكد عليه البعض ممن يرفضون الحياة المادية ومنتسبيها الذين وصل بهم الحال أنه بالعقل المصمم للحضارات في صورة الدول الحديثة والمعاصرة يستطيعون التحكم في الحياة ومصائرهم عليها. لكن هناك من الشواهد التي خالفت الحلم الإنساني بقدرته على التحكم في التوازن البيئي والمناخي لصالحه؛ ذلك لأنه عندما تدخل الإنسان كان تدخله لتحقيق صالحه المادي الآني دون اعتبار للتوازن المخلوق والذي هو في صالح الأجيال القادمة حتى نهاية الزمان .
ومن أبرز هذه الشواهد المتحققة التي خالفت الحلم الإنساني :-
مجاعة الصين
لقد تدخل الإنسان وقتها بقوانين عقله المادية للعب في التوازن البيئي ظنا منه أنه تدخل الغرض منه تحقيق النفع المادي ولكن تحقق نقيض مقصوده وحدثت الكارثة، كان الإنسان هو “ماوتسي تونج” الزعيم الصيني صاحب الثورة الشيوعية الصينية في عام 1958 للقضاء على الفقر والتخلف؛ أنه عليه أن يقضي على الأعداء الأربعة للصين متمثلة قي الذباب والبعوض والفئران وعصافير الحقول، وأعطى حوافز تشجيعية لسكان الصين للاشتراك في هذه الحملة، وكان تعداد سكان الصين وقتها ثمانمئة مليون نسمة لدولة تشبه القارة في اتساعها،
وتم القضاء على عصافير الحقل حتى قيل أنه تم القضاء على مابين خمسين لمائة مليار عصفور، ونتج عن ذلك كثرة الحشرات الضارة التي تتلف المحاصيل والتي كانت تتغذى عليها هذه العصافير مما تسبب في أكبر مجاعة في التاريخ مات على أثرها 45 مليون نسمة وذلك عام 1962 فما كان من الصين إلا أن تداركت الخطأ وسارعت في استيراد عصافير تحل محل العصافير المنقرضة بفعل الإنسان وشجعت الصينيين على تربيتها مرة أخرى مع الحوافز اللازمة لذلك.
الانبعاثات الحرارية
الانبعاثات الحرارية الناتجة عن التقدم الصناعي عنوان الثورة الصناعية وما نتج عنها من تطور الصناعة وانتشار المصانع وكثرتها مما ترتب على ذلك اختلال التوازن المناخي في غير صالح الإنسان. لقد تدخل الإنسان بالصناعة فتدمر التوازن المناخي، وها هو الإنسان مرة أخرى يتراجع لإصلاح ما أفسدته يداه بمعاهدة كيوتو لتقليل الإنبعاثات الحرارية واشتراك الدول الصناعية المتقدمة في هذه المعاهدة.
وغير ذلك من الشواهد الكثير التي تفضح تدخل الإنسان المادي المخل بالتوازن البيئي والمناخي والذي هو موجود لصالحه وصالح أجياله القادمة.
مما يثير لدينا تساؤل؛ لماذا عندما يتدخل الإنسان يحدث كل هذا الضرر؟ هل هو مجرد خطأ في التقدير غير مقصود؟ أم أنه مقصود يعكس عِند وتكبر الإنسان في مواجهة الطبيعة بدعوى أنه يستطيع ترويضها لصالحه، ومتى يستطيع الإنسان ترويض بيئته وطبيعته لصالحه بما لا يخل التوازن الموجود؟ ولا يكون ذلك في نظري إلا باستخدام قوانين عقلية بعيدة عن المادية ومصالحه الآنية .