مش هنفرح بيك بقى
الزواج بين العرف والعقل
من المتعارف عليه في مجتمعاتنا أن الأقارب والجيران يقولون للشباب أقاويل مثل ” مش هنفرح بيك بقى ” ” مش ناوى ” ” امتى تفرحنا ” “يلا يبنى عايزين نشوف عيالك ” ” يا بنى اتجوز بدرى عشان تخلف عيال وتربيهم في شبابك ” و نحن هنا ليس في صدد أن نحكم على تلك الأقاويل حتى وإن كان في الأغلب من يقولها بدافع الحب ويتمنى الخير للشاب، أما ما نريد تناوله هو هل لهذا الحد يُعد الزواج سهلاً؟! هل بكل سهولة يمكن اختيار شريك الحياة؟
ما منظور هؤلاء للزواج؟ وما معنى شريك الحياة لديهم؟ ما معاييرهم للاختيار؟
يدعونك للزواج وكأن ما يحتاجه مجرد الجاهزية والاستعداد المادي فقط ولا يعيرون الجانب المعنوي أي اهتمام ـــ والمقصود بالجانب المعنوي هو الطبيعة الخاصة للشخص سواء طريقة تفكيره وأفكاره واعتقاداته ورؤيته وكذلك مبادئه وأخلاقه والتي بدورها تحدد غايته وطرق تعامله مع الأمور والمواقف الحياتية المختلفة سواء الفكرية أو المادية ــــ وهنا يأتي شيء بديهي يغيب عن أذهاننا ألا وهو من الطبيعي أن يعرف المرء ما هو قادم عليه قبل القيام به. فمن سيسلك طريقًا مثلاً دون أن يلم معرفة به فحتمًا سيلاقى الأمرَّين فيه.
فما هو الزواج؟ وإن كان في ظاهره علاقة بين شريكين فما طبيعة كل منهما لتمكنهم من الانسجام والتكامل؟!
قوى الإنسان
المعروف أن الإنسان لديه حاجة شهوية وظهورها لا يحتاج دليل عليه لإثباته وكذلك لديه قوة مدركة تعينه على فهم واقعه والتعلم وتمكنه من العيش للواقع وهو يعي كيف يكون ذلك، ويوجد كذلك قوة أخرى وهى الغضبية وبدورها تمنحه قدرًا من الدافعية للدفاع عن حقه وكرامته ولنيل ما يطمح إليه.
وتلك القوى كغيرها تعمل لدى الإنسان سواء بتوجيهه لها أو رغما عن تعقله فمثلاً نجد شخص أثناء المزاح الذى لا تجاوز فيه؛ قد غضب وسب من يُحدثه وعاد بعد فوات ذلك الموقف يتأسف له قائلاً؛ عذرًا لقد غضبت ولم أتمالك زمام نفسى، ونجد في موقف آخر أحد يعتدى على شخص ويأخذ منه قطعة أرض رغمًا عنه، فيغضب صاحبها ويستجمع غضبه ويوجهه للدفاع عن حقه واسترداد أرضه وفى المثالين يبدو لنا الفرق بين سيطرة الغضب على العقل و التوجيه العقلي لقوة الغضب
وكذلك يحدث في الشهوة. فما إن حدد الشخص عقلاً حدود تطبيقها وقضاء حاجتها أصلح لنفسه ولغيره وإن لم يوجهها وطغت على عقله وتملكته فإنها تضره.
الغاية من الزواج
وحين نعى جميعنا أن الحق سبحانه استوجب للمرء حدوده الشرعية الضابطة لمجتمعه؛ فكان الزواج لقضاء الحاجة الشهوية ضبطاً لها حتى لا ينتشر الفساد في المجتمعات، وهذا لا يجعل الزواج قاصرًا على قضاء تلك الحاجة فقط.
فكون الإنسان يدرك أن تلك الحوائج قضائها إنما يعينه على إتمام رحلته الدنيا لنيل سعادته الأبدية. هذا لا يجعله ينغمس في ذلك فقط فيجدر به قضاء الحاجة وحسب والانتباه لغايته ألا وهى السعادة التي تتمثل في كماله وارتقائه المعنوي (المعرفي والخلقي).
فهنا نجد بعد أن رصدنا إحدى الأوجه للشراكة مازال فيها الكثير من الأوجه الأخرى، فكونها الخلية التي يقوم عليها نسيج المجتمع ولا تَصلح أي المجتمعات إلا بصلاحها يجعلنا نضع في الاعتبار أمور أخرى كتنمية أفرادها وتوعيتهم وترسيخ الأخلاق فيهم فهم أساس المجتمع، وأن كان كل فرد فيهم كذلك يعد ساعي لكماله معينه في ذلك شريكه في الحياة يتطلب ذلك أمور كثيرة قبل أن يختار كل شريك شريكه وبعناية إن أصبح على دراية بحقيقة نفسه ومجتمعه.
وهنا لو عاودنا النظر للشراكة لوجدنا أنها كالآتي :
– شخصين لهم حاجات طبيعية وعلى وعى بكيفية قضائها.
– شخصين مدركين لمسؤولية تلك الشراكة ومتطلباتها المادية والمعنوية (القيم التي يجب أن يتبناها كل منهما.)
– شخصين لهما نفس الغاية والرؤية الواقعية للعالم وللخالق ولديهما نفس الأخلاق والمبادئ .
– شخصين على وعي بما يجب أن تكون عليه أنفسهم وما يجب أن يكون عليه مجتمعهم.
– أبوين يحملان واجب نحو أبنائهم ليسوا فقط أبناءهم من لحمهم ودمهم؛ بل لكل أبناء مجتمعهم .
– شخصين اختار كل منهما رحلته وفق مبادئه وتحدى المتعارف عليه مهما واجهه من ضغوط مجتمعية لتيقنهم بالأدلة ما يجب أن تكون عليه الشراكة وما يجب أن يكون عليه الإنسان.
ويستوجب ذلك أن كل صاحب وعي لا يتأثر بما تفعله الأكثرية وإنما يتحقق ويتيقن حقيقة الأفكار والمفاهيم ليُقدم على ما هو صائب ويتجنب الخطأ، فلا يهتم بالكماليات على حساب الأساسيات أو لا ينتبه لرضا الناس على حساب الصواب، وإن من الوعى أن يكون الإنسان على استعداد مادي ومعنوي لتلك المرحلة وأن يكون على استعداد لمسؤولية كونه شريك لشخص عليه واجبات تجاهه وكذلك يُراعى احتياجاته كما يراعى هو احتياجات نفسه؛ فيمحى أنانيته ويقدم عليها كيانهم معًا، وأن ينظر لقيم وأفكار شريك الحياة وأخلاقه ومبادئه ويجعلها مرجع الاختيار فإن تشابها اختار بعضهما .
فإن اجتمعا شريكان على وعي كافي بحقيقة رحلتهما كانا دعمًا لبعضهما ومسكن لبعضهما وفق قيمهم الإنسانية؛ يتعايشان بود ورحمة وحب لا أنانية فيهم متطلعين إلى رضا خالقهم فيستشعرا واجبهم وفق درايتهما الفردية والمجتمعة بوعي مدركين أنهم خلية قد تنبض بالحياة في مجتمع غلب عليه المرض.