الماركسية والمادية – لماذا الفكر المركسي المادي خطر؟!
من منا لم يمر عليه ذلك الاسم “كارل ماركس ” ذلك الفيلسوف الألمانى وعالم الاجتماع وصاحب العديد من الكتب التاريخية. يُعتبر “ماركس” من الفلاسفة الماديين الذي استطاع أن يقوم بإخراج الفلسفة الخاصة به من الأماكن المغلقة للدروس والقاعات والبحث بصورة أكاديمية إلى المدى الذي يجعل الفرد المؤمن بتلك الفلسفة يقوم بالتضحيه بنفسه فى سبيلها. ولكن يبقى لدينا السؤال الذى يطرح نفسه وهو؛ “ما هو ذلك الفكر المركسي ؟! ” وما مدى صحته عقليًا ومنطقيًا؟!
الفكر المركسي والمادية
كان “ماركس” متأثر بالفكر المادى بطريقة مذهلة فى طريق تفكيره؛ حيث أنه أكد أنَّ الإنسان لا يستطيع تغيير العالم دون فهم المادة بشكل علمى. وأغفل جميع الجوانب المعنوية وغيرها من الجوانب العملية.
ووضع “ماركس” مذهب أطلق عليه {المادية الجدلية} حيث انطلق “ماركس” فى تفسير كل الظواهر عن طريق العلل المادية فقط؛ أى بمعنى مُبسط؛ وهو أنه لا شئ يؤدى إلى التطور والتغيّر والتقدم نحو الأفضل غير المادة.
ووضع “ماركس” أرضية خصبة إلى أن جميع الأفكار والمبادئ هى مبادئ مكتسبة من أرض الواقع ولا توجد بديهيات عقلية، ولكن يبقى السؤال الذى يطرح نفسه، ما صحة ذلك؟!
لماذا الفكر المركسي المادى خطر؟!
الفكر المادي هو ذلك الفكر الذى يُرجع كل شئ فى الحياة إلى المادة، وينطبق ذلك على الأمور المحسوسة أيضا حيث أن المحسوس عند الماديين كل ما يمكن أن يُدرك ماديًا سواء بالحواس العادية أو بالآلات المساعدة على ذلك؛ أي على إدراك هذا المحسوس؛ فالإنسان والحيوان والنبات والجماد وكل عناصر ذلك جميعهم يدخل الكل في نطاق ما يُسمى بالمادة
وهناك حقيقة أخرى يلزم معرفتها عن الفكر المادي ؛ وهى أن المادية ترى أن المعرفة بما لديها من بديهيات عقلية وفكرية جميعها ناتجة بعد القيام بالتجربة على أرض الواقع ولا معارف قبلها؛ فتلك النظرة ترى أن الإنسان يُولد بدون أى بديهيات عقلية ثابتة؛ ومن ثم ينطلق إلى الحياة لكسب المعارف والبحث، عنها
وينطلق الإنسان من نفسه إلى الكون معتبرًا نفسه أنه له المركزية، ومنه ينطلق كل شئ، فأصبحت الأفكار الصحيحة مُستوحاه من واقع الحياة المادية، وأصبح ما يُوافق الفكر المادي هو الحقيقة وقد أثر ذلك على المستوى السلوكى والإنسانىّ الخاص؛ حيث أصبح المجتمع يُعانى من العديد من المشاكل النفسية والسلوكية.
وأصبح الإنسان يبحث عن المكسب المادى فقط مع إهمال الجوانب المعرفية والسلوكية. وأصبح الإنسان أقرب إلى الحيوان؛ فهو يسعى إلى السعادة ولكن لا يصل إليها؛ فالذى يُفرق الإنسان عن باقى المخلوقات هو العقل والإدراك العاقل للأمور.
مثال على ذلك الفكر
ونضرب بذلك المثال فى الملبس؛ فمن منا لا يبحث عما ينتج بشكل يومى من ملابس وأزياء؟! ومن منا لا يبحث عن آخر صيحة؟! ولكن ماذا يحدث بعد أن يحصل الإنسان على ما يريد؟! هل يشعر بالسعادة الكاملة؟! أم أنها سعادة مؤقتة لفترة وجيزة، وبعدها يعود الإنسان مرة أخرى إلى الحزن والبحث عما هو جديد من موضة جديدة وغيرها من الصيحات.
بالفعل هذا هو ما يريده الفكر المادي ؛ فهو يريدك أن تظل تسعى فى تلك الدنيا للبحث عن المادة، وتظل أسير تحت منظومة ما هو جديد، ولكن الفكر السليم يدرك ما هو الغرض من الشئ؛ ففى المثال السابق إذا أدرك الإنسان عقليًا بأن الهدف من الملبس هو الستر والغطاء، وليس إظهار القوة أو الثراء؛ فإنه لن يتبع الفكر المادى.
الإنسان والفكر المادي
وكذلك من أخطر الأمور التى يُروج لها الفكر المادي هى مركزية الإنسان وأنه هو المنطلق لكل شئ؛ فالفكر المادي يرى أن الإنسان هو من يضع القوانين وهو من ينطلق من كل شئ فيطلق الحكم على الحرية حسب الرغبة الخاصة ويقوم بتحديد معايير الصواب والخطأ حسب الاحتياجات الخاصة به التى تتوافق مع الفكر المادى.
فلا عجب أن نجد مبرر للسرقة والعدوان مثل ما يحدث فى عالمنا اليوم من سرقة ونهب لخيرات بلدان أخرى بحجة عدم أحقيتها لثرواتها وغيرها من المظاهر التى تفشت فى واقع مجتمعنا، فأصبح الإنسان المثقف يُشار إليه بأنه منعزل ومُنطوى وغيرها من المظاهر التى قلبت معايير الصواب والخطأ.
ويبقى الفكر المادى الغرض الحقيقى له هو ليس الجسد البالى؛ بل هو الوعي وتشكيله بما يتفق مع رؤيته. فضرب مراكز القوة الثقافية لدى الشعوب والعادات و التقاليد التى لا نجزم بصحتها جميعها ولكنها تبقى تحمل جزء من الصواب والخصوصية الفكرية لكل مجتمع.
إن الفكر المادي هو فكر جميل الوجه، لكنه قبيح الفعل. ويجب مواجهة هذا الفكر المادي بنشر الفكر المنطقى السليم، ونجتمع جميعا على بيان قبح ذلك الفكر، لذا فإن “ماركس” حين نشر ذلك الفكر كان هو أيضًا ضحية التأثر بهذا الفكر الذي سبقه الكثير قبله في التنظير للفكر المادي ؛ مدركين جزء بسيط فقط من الواقع وهو الجانب الماديّ للوجود والذي يُعد جزء بسيط من واقع الحال الذي نعيش فيه. وليس كل الواقع لذا وجب إيضاح قبح ذلك الفكر وقصوره عن إدراك ما ليس بمادي.