نحو تطبيق لمبدأ الاتساق على الثلاثية الإنسانية
الاتساق هو التطابق التام والاتفاق بين كل من: الاعتقاد، والقول، والفعل. فتطابق هذه الثلاثية معا هو ما يجعل الإنسان في حالة اتساق بين ذاته من ناحية وبين الآخر والمحيط الخارجي من ناحية أخرى، ولكن قلما نجد مبدأ الاتساق هذا يطبق على الكثيرين، فنجد كثيرا من البشر اعتقاداتهم في ناحية وأقوالهم في ناحية أخرى، وأفعالهم في ناحية ثالثة، ليس هذا فحسب بل هناك حالة من المتناقضات المنطقية بين هذه الثلاثية، أي أن اعتقاد الإنسان يتناقض مع ما يقوله ويتناقض كذلك مع ما يفعله.
فالعقل من أهم نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، كما أن أهم ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية عمليتي التعقل والتفكير المنطقي، فهناك الكثير ممن يفكرون تفكيرا منطقيا، ولكن ليس بالكثير منهم يضعون في اعتبارهم ثلاثية مبدأ الاتساق (الاعتقاد، والقول، والفعل)، فنعتقد إن جاز لنا التعبير أن التفكير المنطقي وثيق الصلة بتطبيق مبدأ ثلاثية الاتساق، والتفكير الذي لا يتضمن في داخله كل من الاعتقاد والقول والفعل لا يمكن أن يعد تفكيرا منطقيا.
فمن غير المعقول منطقيا أن نصف تفكيرا ما بأنه منطقي وهناك تناقض بين ما يعتقد فيه الإنسان مع ما يقوله ويصرح به، وأيضا يتناقض كل منهما مع ما يفعله في حالة تطبيق هذا القول بشكل عملي، أو بمعنى آخر في حالة ممارسة هذا القول بشكل فعلي في الممارسات والأعمال المختلفة. وبالتالي، لا تكفي عمليات الاستنباط والاستدلال، وتوافق المقدمات مع النتائج، وتوافق التفكير مع قوانين الفكر الأساسية، وخلوه من المتناقضات واتفاقه مع الواقع أن نقول أن هذا التفكير الذي يراعي جميع العمليات السابقة بأنه تفكير منطقي.
هناك من يعترض على هذا القول، ويقول أن اتصاف تفكير ما بأنه منطقي أو غير منطقي يتحقق فحسب إما من خلال ما هو منطوق أو من خلال ما هو مكتوب فقط بشكل منفصل عما يدور في داخل الإنسان، أما ما يدور في داخل الإنسان ويعتمد على النية والعقل والوجدان فهو خارج التقييم المنطقي، وكذلك الأفعال والممارسات فهي خارج التقييم المنطقي.
وجوب الحضور المنطقي بين القول والفعل والتفكير
نرد على هذا الاعتراض بأنه من الخطأ تقييم كل مرحلة بشكل منفصل عن المرحلتين الأخيرتين، فالإنسان هو الذي يفكر داخليا وهو نفسه من يصرح بالقول بما يفكر فيه، وهو نفسه كذلك من يقوم بالأفعال والممارسات، فالتقييم الأدق لا يتم إلا من خلال حضور الثلاث مراحل –الداخلية والتي تتمثل في الاعتقاد والخارجية والتي تتمثل في كل من الأقوال والممارسات– حتى يكون التقييم دقيقا ومتسقا بشكل جامع مانع، فكيف نصف بأن قولا ما أو نصا ما بأنه قول أو نص منطقي وهو نفسه يتناقض منطقيا مع ما يؤمن به الشخص وكذلك مع ما يفعله؟
في المرحلة الأولى وهي المرحلة الداخلية الجوانية للعمليات الفكرية والنية التي يعقدها الإنسان بداخله هي مرحلة لا يمكن أن يصل إليها ويتعرف عليها إلا الإنسان الذي يقوم بها، أما مرحلة القول ومدى منطقية ما يصرح به، أي التناسق والتوافق بين أجزاء ما يقوله ويصرح به هذا فضلا عن الخلو من المتناقضات فهي مرحلة يمكن الحكم عليها –بشكل منفصل عن المرحلة الأولى الداخلية والمرحلة الثالثة التطبيقية– إما كونها منطقية أو غير منطقية، أما المرحلة الثالثة وهي مرحلة التطبيق العملي والتي تتجسد في الممارسات المختلفة فيمكن الحكم عليها وتقييمها منطقيا –بشكل منفصل عن المرحلة الأولى الداخلية والمرحلة الثانية الظاهرية القولية– إما كون تلك الأفعال والممارسات منطقية أو غير منطقية.
وتأسيسا على ما سبق نعتقد أن التفكير لا يكون منطقيا إلا إذا توافق مع القول والفعل، والقول لا يكون منطقيا إلا إذا توافق مع التفكير والفعل، والفعل لا يكون منطقيا إلا إذا توافق مع التفكير والقول، وبالتالي فالحضور المنطقي بين ثنايا هذه الثلاثية هو ما يجعلها منطقية.