الغزو الثقافي وسبل العلاج
كثيرًا ما تستخدم كلمة غزو في الحقل السياسي، وتعني السعي للاستيلاء على أرض الخصم للانتفاع من خيراتها المادية أو الحصول على مميزاتها السياسية والاستراتيجية وغيرها الكثير، من خلال الحروب المسلحة والتي يزخر التاريخ بها.
لكن في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي وسيادة العولمة فقد تطور مدلول هذه الكلمة لتنتقل دلالتها من مجرد الاستيلاء على الأرض إلى الاستيلاء على العقل.
ما هو مفهوم الغزو الثقافي؟
نظرًا لما تتطلبه الحروب من مبالغ طائلة تستنزف الثروات، إضافة إلى خسائر في الأرواح، والعقوبات الدولية التي قد تُفرض نتيجة القيام بهذه الحروب، فقد اتجهت كثير من الدول لتغيير مفهومها عن الغزو المادي وتحويله إلى غزو معنوي أو ما يمكن أن يطلق عليه غزو ثقافي.
يقصد به غزو العقول، فإذا ما تم التحكم في العقل أصبح تسييره وتنفيذه لما يؤمر به بشكل غير مباشر من الأمور التي تحقق مصالح الذي قام بغزوه.
بل وأصبح تربة خصبة يزرع فيها من الأشواك والنباتات السامة ما يعود بالضرر على المستوى الفردي والمستوى الجماعي على حد سواء.
لكن كيف يحدث هذا؟
كيف يحدث الغزو الثقافي للأمم؟
يحدث هذا بأن تفرض دولة من الدول ثقافتها على دول أخرى، وكثيرًا ما تكون الدولة التي تنشر ثقافتها هي الأقوى اقتصاديًا وتكنولوجيًا وثقافيًا، وتلك الدول الأخرى غالبًا ما تكون ضعيفة اقتصاديًا وثقافيًا وتكنولوجيًا.
عند قيام تلك الدول بالغزو الثقافي فهي تنشر ثقافة معدة مسبقًا –وفقًا لأجندات واستراتيجيات معدة مسبقًا– بشكل موجه، وتبثها في دولة من الدول عبر تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي.
يحدث ذلك بترويج أفكار معينة وطرح تجارب عملية لها بشكل مزيف، مثل: الترويج لأفكار إلحادية، ومذاهب دينية متطرفة، وأفكار سياسية تخريبية، وأفكار هدامة سلبية.
ليس هذا فحسب بل هناك أيضًا بث سلوكيات متدنية وأنواع ملابس منحطة وذلك في سياقات غير مباشرة، مثل بث تلك الأمور في صور أفلام وفيديوهات وإعلانات ممولة، وغيرها الكثير من وسائل بث هذه السموم.
مخاطر الغزو الثقافي
للأسف في ظل غياب الوعي بالهوية والأخلاقيات السوية والعادات والتقاليد القومية يبدأ الغزو الثقافي غزوه، ومع مرور الوقت تتشبع العقول بمثل هذه الثقافات الفاسدة لدرجة يصعب الفصل بينها وبين الثقافة الوطنية.
أيضًا يمكن أن تُقصى الثقافة الوطنية لتحل بدلًا عنها تلك الثقافة الفاسدة، وعند هذه المرحلة يتمكن الغزاة من توجيه العقول المغيبة، بل المحتلة، وتسييرهم وتوجيههم وفقًا لأجنداتهم المعدة مسبقًا.
الأمر الذي يجعلنا نتساءل، ما العلاج تجاه ذلك الغزو الثقافي؟
كيف نحارب الغزو الثقافي؟
يمكن أن يتم العلاج على مستويين، أحدهما داخلي والآخر خارجي.
مواجهة الغزو الثقافي على المستوى الداخلي
يقصد بالعلاج الداخلي أي الذي ينبع من داخل الإنسان نفسه، وذلك بإثارة عدة مفاهيم من شأنها أن تقوي لديه الجهاز المناعي، والتي من أهمها: التعقل، والضمير.
التعقل نعني به استحضار العقل في كل ما يعرض على الإنسان مسموعًا كان أو مقروءًا، أي تعقل ما يسمعه وما يراه لبيان ما يتفق وما لا يتفق مع المنطق.
هذا يتطلب تنمية لذلك الجهاز العقلي بالقراءة أولًا، والوعي بهوية المجتمع ثانيًا، وإدراك السياقات المختلفة التي يسير في ضوئها المجتمع الخارجي من ناحية ثالثة، خاصة وأن التعقل هو الخطوة الأولى لبناء الإنسان الحضاري.
أما بالنسبة للضمير، الجزء النوراني المكنون داخل قلب كل إنسان، فإذا ما تم إيقاظه من سباته، لفطن إلى كل ما يعرض عليه ويتعرض له الإنسان، لبيان ما يتفق وما لا يتفق والقيم الوطنية والإنسانية على حد سواء.
لذا كان كل من التعقل والضمير أداتا بناء الهوية الوجودية للإنسان.
مواجهة الغزو الثقافي على المستوى الخارجي
أما العلاج الخارجي يقصد به العلاج المؤسسي، ذلك العلاج الذي يقدم من قبل مختلف المؤسسات الوطنية.
إذ تقدم سياسيات واضحة وبرامج تنفيذية لتلك السياسات من شأنها أن تحارب وتصد هجمات الغزو الثقافي.
تتمثل تلك المؤسسات في التربية والتعليم، والتعليم العالي، والشباب والرياضة، والإعلام، إلخ.
فواجبها أن تستحدث مقررات وموضوعات وبرامج من شأنها أن تقوي الجهاز المناعي لمكافحة كافة صور الغزو الثقافي وأشكاله.
اقرأ أيضاً:
أثر الغزو الثقافي اليوناني على المجتمع الروماني
الكوميديا ودورها الهام والمؤثر في الغزو الثقافي والفكري في المجتمعات
المرأة بين الأسرة والفكر الغربي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا