الخال فانيا
وُلد الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف عام 1860 ابنًا لأسرة معدمة، فاضطر للعمل في طفولته ليساعد أسرته في مواجهة الجوع، فعاش يعاني التعب والإرهاق.
تشيكوف كاتب عبقري، وليس أدل على ذلك من أنه في سن السادسة والعشرين كان قد كتب أكثر من ثلاثمائة قصة ومسرحية، وكان أغلبها قد نشر، ولم يتوقف بعد ذلك عن الكتابة، خصوصًا في سنواته الأخيرة، وهو من أعمدة مسرح الفن ومن أفضل كتاب القصة القصيرة على مدار التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس.
مسرحية الخال فانيا
كانت المسرحية الأكثر شهرة لأنطون تشيخوف مسرحية الخال فانيا، الثرية بالحوارات الشيقة والتي استلهمها من الحياة اليومية، وتدور فكرتها الأساسية حول عذاب الشعور بالفشل وخيبة أمل الإنسان عندما يسترجع فترة ما من عمره، إذ يصبح عاجزًا عن تغيير واقع الحال، مع عجزه عن أن يحيا الحياة من جديد بدون تلك الخيبات التي عاشها أو إصلاح ما فسد.
يظهر مغزى فكرته التراجيدية في الجملة الأخيرة التي يختتم بها مسرحيته قائلًا: “يا خالي فانيا المسكين، أنت تبكي، أنت لم تعرف الفرح في حياتك، لكن مهلًا، مهلًا يا خالي فانيا، سوف نرتاح، سنرتاح”، المسرحية فيها بعد إنساني يطرح التساؤلات حول الوجود الإنساني وهدفه.
من أهم ما يميز أدب تشيخوف هو شعبية أعماله، وأنها في المتناول لكل قارئ مهما كان مستوى ثقافته، وهذا من ذكاء الكاتب وفطنته، أن يجعل عمله في متناول الجميع ببساطة أسلوبه وعدم ترفعه على القارئ العادي، وهو من أهم أسباب انتشار قصصه ومسرحياته في العالم واكتسابه تلك الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها، حتى صار من أوفر الكتاب حظًا في تقديم أعمالهم في المسرح والسنيما وغيرها في كل أنحاء العالم وبمعظم اللغات.
من مسرحيات تشيخوف
مسرحية الخال فانيا واحدة من أربع مسرحيات طويلة كتبها تشيخوف، والثلاث الأخرى هي: طائر البحر، وبستان شجرة الكرز، والشقيقات الثلاث.
تدور أحداثها في الريف، الذي برغم هدوئه فالشخصيات تعاني كثيرًا من الخوف وعدم الشعور بالأمان، في مزيج من الكوميديا والمأساة.
شخصيات مسرحية الخال فانيا
تحكي مسرحية الخال فانيا عن البروفيسور سيريبرياكوف، وهو دجال ينتحل شخصية عالم كبير وهمي، ينجح في النصب على ابنته سونيا وخالها فانيا، فيسلبهم المال لينفقه في حياته مع زوجته الجديدة هيلينا، إذ كان الخال ف
انيا يتولى إدارة ملكية سونيا التي ورثتها من أمها الراحلة، زوجة سيريبرياكوف الأولى.
ثم يكتشف فانيا وهيلينا –زوجة سيريبرياكوف– واللذان يعيشان حبًا صامتًا، حقيقة البروفيسور النصاب، ويندم فانيا على السنوات التي أمضاها في مساعدته مضيعًا ملكية سونيا ابنة اخته الحبيبة، ولا يفيد الندم بعد فوات الأوان إذ لم يعد ممكنًا تصحيح الخطأ.
تصبح سونيا على حافة الإفلاس بسبب ذلك، فيشتد غضب فانيا لدرجة التفكير في قتل سيريبرياكوف بعد أن قرر الأخير بيع الملكية والحصول على ثمنها والانتقال للعيش في المدينة.
لكن تقنعه زوجته الجديدة بالرحيل وترك الملكية، فتستعيد سونيا وخالها حياتهما المعتادة في مساعدة الآخرين، متناسين ما كان.
الخال فانيا انعتاق من براثن الخيبة
تدور المسرحية حول الخيبة في حياة الإنسان، وكيف أنها تلازمه طوال العمر ما لم ينجح في التغلب على ما بقي منها، وقد يبدو ذلك عاديًا أو معروفًا، القصة نفسها قد لا تكون شديدة الابتكار من الناحية الروائية، لكن روعتها وجمالها ستجده في الأسلوب وفي كثير من الحكمة الأدبية المبدعة بداخلها.
تجد شيكوف يقول: “أنت تعرف الجميع، والجميع هنا يعرفونك لكنك غريب، غريب ووحيد، عندما تهزأ بالأفكار التي تدعي أنك تعرفها كلها فإنك تبدو أشبه بالجندي الهارب بجبن من ميدان القتال، لكنه كي يغطي على خزيه يسخر من الحرب والشجاعة، إن الثقافة تكتب الألم، وفي إحدى القصص يطأ العجوز صورة ابنته الجميلة بقدميه لأنه مخطئ في حقها.
أما أنت فتسخر بصورة وضيعة ومبتذلة من أفكار الحرية والحق، لأنك لم تعد قادرًا على العودة إليها، ولك في ذلك إشارة صادقة ومخلصة إلى سقوطك تفزعك، ولذلك تحيط نفسك عن عمد بأناس لا يجيدون إلا تملق ضعفك”.
انظر كيف ينطبق هذا على النفوس البشرية من حولنا في زماننا وتلك روعة الأدب الحقيقي الذي يسبر أعماق الإنسان المجرد بغض النظر عن الزمان والمكان.
مقالات ذات صلة:
انظر خلفك بغضب (Look Back in Anger)!
براح .. في الهامش ستجد العمين سعيد ولويس!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا