قوة الصورة
حين ترى صورة طفل ضحية يبكي لا تتخيل أنه قبل الصورة ببضع دقائق كان يضحك، وأنه بعدها سيعود ليلعب ويضحك، وربما يكبر ويتحول إلى مقاتل شرس شجاع ينتقم ممن تسبب في بكائه. حين ترى صورة جندي مع سلاحه يفتخر بقوته لا تتخيل أن هذا الجندي سيتحول إلى جبان ضعيف بعد بضعة أيام أو شهور أو سنين.
دوريان جراي
من القصص التي أثرت في جدا القصة التي كتبها أوسكار وايلدThe picture of Dorian Gray لوحة دوريان جراي، القصة تحكي عن شاب قوي وسيم غني أنيق رسم له أحد الرسامين لوحة، وهذه اللوحة سحرية غريبة، بدأت بالتدريج تظهر عليها علامات الشيخوخة!
بدأت تظهر على الوجه تجاعيد السن وعلى الجسد ضعف العضلات واهتراء الملابس إلخ. الأعجب أن علامات السن كانت تظهر على اللوحة فقط، لكن يظل مستر جراي بلا علامات سن، تمر عشرات السنين ويظل شابا وسيما قويا أنيقا غنيا!
وأخفى مستر جراي اللوحة في قبو المنزل، يغطيها ويخليها، لا يراها أحد، حتى نسيها، تحتفظ بالشيخوخة فيها ويظل هو شبابا! وبعد عشرات السنين ينزل إلى القبو، ويكتشف اللوحة، وينظر إليها فتنتقل كل السنين فجأة من اللوحة إلى مستر جراي، ويفقد شبابه ووسامته!
الصورة ما هي إلا لحظة صغيرة جدا
أتذكر منذ حوالي ٢٠ سنة كنت أتناقش مع صديقة سويسرية حول هذه القصة في مقهى بشوارع جنيف _لا زلت أتذكر رائحة خليط الخبز الساخن مع القهوة الساخنة في صباح يوم سبت بارد_ كنت أقول لها:
“أتمنى أن تكون لي مثل هذه اللوحة السحرية، وأظل شبابا”، لكنها قالت لي فكرة جميلة، إن القصة تلفت الانتباه إلى الفارق بين الصورة والواقع! حين ترى صورة فارس أو شخص مبتسم تلتصق الصورة في عقلك، فتتخيل أن هذا الشخص فارس إلى الأبد، أو مبتسم طوال الوقت! تنسى أو تتناسى أن هذا الشخص قد يكون حزينا قبل أو بعد رسم أو تصوير هذه الصورة أو هذا الفيلم، قد يكون ضعيفا، لكن لا ترى ضعفه!
لذلك يرى الناس أبطال السينما القدامى في نفس الصورة بالفيلم! ويغيب عن عقلهم أن هؤلاء الأبطال أصابهم المرض والوهن، أو يرى صورة شخص يبكي فتلتصق صورة البكاء بعقله.
الصور لا تكذب ولا تخدع، لكنها تحافظ على بقاء لحظة صغيرة جدا لزمن طويل جدا، تنقل حقيقة مؤقتة، فيتخيل الناس أنها حقيقة دائمة!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
اقرأ أيضاً:
ثقافة الصورة وتوهم معرفة الواقع
