كيف تشاهد مباريات كأس العالم بطريقة علمية؟
أثناء تمريني الرياضي في النادي الصحي لفتت نظري مباراة كأس العالم بين السعودية والمكسيك، وطبعًا متعاطف مع السعودية، عادي طبعًا، لكن هناك طريقتين في متابعة ومشاهدة مباريات كأس العالم (للأذكياء طبعًا): الطريقة العاطفية والطريقة العلمية!
الطريقة العاطفية
يعني تشجع فريق بلد تحبه أو تشعر أنه قريب إلى قلبك، وبالنسبة لي الأمور واضحة، تنقسم المباريات إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول
مباراة بين السعودية والسنغال، تمامًا مثل مباراة بين مصر والمغرب، تمامًا مثل مباراة بين الأهلي والزمالك، تمامًا مثل مباراة بين فريق من الإسكندرية وفريق من دمياط!
فرق متعددة من وطن واحد، من محافظات متعددة لشعب واحد، اسمه شعب الأمة الإسلامية، أشجع اللعبة الحلوة ولا تهمني النتيجة!
النوع الثاني
مباراة بين إيران وأمريكا، طبعًا أشجع إيران، مباراة بين السنغال وفرنسا، طبعا أشجع السنغال، مباراة بين الكاميرون وإيطاليا، طبعًا أشجع الكاميرون.
مباراة بين المكسيك وألمانيا، طبعًا أشجع المكسيك، مباراة بين اليابان والدنمارك، طبعًا اليابان، مباراة بين كوريا الجنوبية والبرتغال، طبعًا كوريا الجنوبية، مباراة بين البرازيل وسويسرا، طبعًا البرازيل.
يعني أشجع البلاد التي تكون شعوبها أقرب إلينا، أو منا، أو تعرضت للظلم مثلنا، وتشعر بما نشعر به، أو غنية لكن لم تظلمنا وتحتل بلادنا وتعاملنا بعنصرية، وهي تواجه شعوب البلاد العنصرية الاستعمارية والبلاد التي تسرق ثرواتنا وتمتص دماء شعوبنا، مثل دول أوروبا والولايات المتحدة.
النوع الثالث
مباراة بين بلدين كليهما حرامي ورأسمالي أي لصوص، أو استعماري عنصري؛ بين ألمانيا وفرنسا، بين أمريكا وإيطاليا، هذا لعب الحرامية واللصوص بعضهم مع بعض، أشجع اللعبة الحلوة، ولا تهمني النتيجة.
هذه هي طريقة العواطف.
الطريقة العلمية
طريقة التفكير التي تحكم العالم في العصر الحديث، ومن لا يفهمها فهو لا يفهم العصر الحديث! طريقة الاحتمالات (probability)، وتعتمد على علم الإحصاء، مثلًا فريق السعودية غلب الأرجنتين، طبعًا البعض وصل إلى استنتاج مضحك، بما أن الأرجنتين فازت بكأس العالم عدة مرات من قبل، وبما أننا غلبنا الأرجنتين، إذًا فسوف نصل إلى نهائيات كأس العالم، وربما نأخذ كأس العالم!
لكن إذا فكرنا بطريقة الإحصاء، (hypothesis testing) نجد أن هذا مجرد صدفة (outlier)، يقع خارج المنحنى المتوقع بعيدًا عن الأوميجا أو الـ(P value).
يعني مجرد صدفة ولا يمكن أن نبني عليها استنتاجًا أو توقعًا مستقبليًا، يعني تمامًا مثل السيدة الغبية التي تسألني: “هل بودرة العفريت تشفي خشونة الركبة؟”.
حين أقول لها أن الأبحاث تقول أن هذا احتمال ضعيف، فترد وتقول: “لكن بنت خال عم أبويا دهنت ركبتها ببودرة العفريت وبتقول إنها خفت!”، وحينها تقول لها: “اذهبي بعيدًا عني واستمتعي مع بنت خال عم أبوكي باستعمال بودرة العفريت وبالهناء والشفاء!”.
اقرأ أيضاً: كيف وقع صديقنا في فخ المغالطة؟
أهمية علم البيانات
فَهْم علوم الإحصاء يجعلك تفهم كل شيء من حولك، تفهم الأخبار، تفهم المال والاقتصاد، تفهم التقارير والمعلومات المريبة التي تنتشر حولنا.
مثلًا حين يقول لك مندوب جمعية المرأة أن العلاقة الجنسية تفعل كذا! أو الميول الجنسية كذا! أو يظهر من يقول لك أن بحثًا اكتشف أن الرجل يحب كذا وكذا، أو مشروب الشاي يفعل كذا، تسأل: كيف جمعت هذه العينة؟ كيف اخترت العينة التي أقمت عليها دراستك؟!
ما نوع السؤال الذي سألته؟ وكيف استطعت أن تحافظ على الحياد في الإجابة؟ ولماذا لا يكون كل من تهرب من الإجابة على سؤالك في الحقيقة غير موافق أو ضد النتيجة التي وصلت إليها؟ أو ما يسمى في الإحصاء (voluntary response bias)؟
إذ لا يشارك في البحث إلا من يتناسب مع أهواء الباحث ورغباته، بينما يمتنع كل من يخجل من السؤال أو لا يثق في الباحث أو لا يثق الباحث فيه أو ما يسمى (convenience sampling).
أو الأبحاث المضحكة التي نجدها في المقالات الصحفية وتتحدث عن علاقة مشروب كذا بكذا، ولا تفرق بين السببية والمصاحبة أو التوازي.
يعني مثلًا في الصيف تكون الحرارة عالية، وتزداد عدد حالات ضربة الشمس والحروق من حرارة الشمس، وفي نفس الوقت يزيد استهلاك المرطبات والآيس كريم، هل معنى هذا أن زيادة استهلاك الآيس كريم يسبب زيادة حالات ضربة الشمس والحروق الجلدية؟ بالطبع لا!
من سيفوز بكأس العالم 2022؟
لكن الحمقى الذين لا يفهمون علوم الإحصاء، لغة العصر، لا يفهمون الفارق بين (correlation vs causation) بين شيء حدث بالتوازي مع شيء آخر، وبين شيء يتسبب في شيء آخر.
عزيزي بمناسبة كأس العالم، أنصحك بأن تتعلم لغة العصر لتفهم لغة العصر، لغة العصر ليست اللغة الإنجليزية، لغة العصر هي علوم الإحصاء والتعامل مع الأرقام والمعلومات (data science) ولتستطيع توقع من سيفوز في مباريات كأس العالم.
ملحوظة: أنا لا أتابع المباريات ولا أهتم بها، لكنها مجرد خواطر جالت بخاطري أثناء ممارسة الرياضة في النادي الصحي، بسبب عرض مباراة السعودية والمكسيك على الشاشات المحيطة بي، ومن حديث أصدقائي في الجيم عنها وعن المباريات السابقة لها.
مقالات ذات صلة:
صراع تاريخي ترجم إلى ساحة منافسة رياضية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*********
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا