رياضة - مقالاتمقالات

عدالة الكرة تهز عرش التمييز

كم أسعدنا فوز المنتخب الكروي السعودي على الأرجنتين، إحدى القوى العظمى في عالم كرة القدم العالمية، وقد جاء ذلك الفوز المستحق نتيجة طبيعية لما بذله الفريق السعودي من جهد وكفاح على أرض الملعب، علمًا بأن هذا الفريق لا يملك –مثل بقية الفرق من مختلف القارات– كتيبة من اللاعبين المحترفين في الأندية الأوروبية العريقة التي تتسيد اللعبة، وعلمًا بأن هذا الفريق يتكون من لاعبين ينتمي معظمهم إلى فريق سعودي واحد يلعب في الدوري المحلي!

هذا إن دل على شيء يدل على أن الكرة تعطي من يعطيها وتكافئ من يستحق بعيدًا عن الأسماء الرنانة! فلا يوجد في الفريق السعودي نجم بحجم ميسي، أفضل لاعبي العالم على مدار السنوات الماضية، ولا بحجم أي من رفاقه المحترفين في دوريات وأندية العالم الكبرى!

ليس في الإمكان أبدع مما كان

إن كل ما فعله الفريق السعودي، أنهم لعبوا الكرة بقوانينها متسلحين بالثقة بالنفس، وبتلك الدفعة المعنوية التي أعطاهم إياهم الأمير محمد بن سليمان، ولي العهد بالمملكة، حينما التقى بهم وأزال الرهبة من نفوسهم قائلًا: “العبوا واستمتعوا.. نحن لا نريد ولا نتوقع منكم شيئًا إلا بذل الجهد!”.

إن هذا الحدث الرياضي له دلالاته الكثيرة التي تبدأ من الرياضة ولا تتوقف عندها، فقد نجح المنتخبان العربيان الآخران تونس والمغرب في تحقيق التعادل مع قوتين عظيمتين في كرة القدم الأوروبية، هما الدانمارك وكرواتيا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لعل أهم هذه الدلالات أنه في الإمكان أبدع مما كان وليس العكس، وأن الموهبة والإبداع أعدل الأشياء قسمة بين الناس وليس العكس! كل ما هنالك أن يمتلك المرء القدرات والمهارات التي تؤهله لتحقيق الإنجاز في أي مجال شاء بعيدًا عن الإحساس بالدونية وقلة الحيلة!

دروس وعبر

163 173727 analysis argentina ksa world cup 2022 700x400 - عدالة الكرة تهز عرش التمييز

إن هذا الدرس الكروي الذي لقنه لنا المنتخب السعودي، يمكن أن يكون مضافًا إلى غيره من دروس يلقنها لنا العلماء والمبدعون العرب في كل مكان من العالم، ينبغي أن تتراكم في العقلية العربية لندرك جيدًا أننا لسنا أقل من غيرنا، لا في القدرات والمهارات ولا في الإمكانات المادية والإبداعية!

إن كل ما ينقصنا في اعتقادي هو التخلص من الإحساس بالدونية، والانبهار بكل ما هو أجنبي! إن كل ما ينقصنا هو الثقة بالنفس، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وفقًا لقدراتنا وما يحقق مصالحنا وسط هذ العالم الذي لا يعترف إلا بالقوة وبامتلاك آليات التحدي!

إن ما ينقصنا هو الغفلة عن ما لدينا من مقومات التقدم وآلياته، وكم أتساءل وما زلت: ما الذي يمنعنا من التقدم والنهوض ونحن نمتلك كل مقوماته عربًا أو أفارقة أو مسلمين؟! ما الذي يمنعنا من توحيد الصف والقفز على كل المعوقات والتحديات؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما الذي يمنعنا من امتلاك إرادة التحدي لمواجهة كل ما يواجهنا من مشكلات ورفض كل التدخلات الخارجية التي تفكك إرادتنا وتتخلل حياتنا وتفسدها علينا؟! ما الذي يجعلنا هكذا مشتتين فاقدي الإرادة والقوة؟!

إنه بكل بساطة غياب الثقة بالنفس، والاستسلام للتدخلات الخارجية، والانبهار أمام تقدم الآخر والتصور الخاطئ أنه هو دائمًا الأقدر والأفضل، حتى وإن كان المجال هو كرة القدم! تلك اللعبة التي لا تتطلب إلا موهبة وقوة جسمانية، وأزعم أننا لا نقل في ذلك عن الآخرين، فلمَ نقف مذعورين مرتبكين أمام الفرق الأخرى هكذا؟!

بعد انتصار السعودية على الأرجنتين

إن ما حدث في عالم كرة القدم وانتصار الفريق السعودي على الفريق الأرجنتيني المدجج بسمعته العالمية وقوة ومهارة أفراده، يمكن أن يكون دافعًا لنا عربًا وأفارقة وآسيويين، أننا نستطيع مثل غيرنا الانتصار والحصول على كأس العالم، والقضاء على أسطورة التمييز الغربي، وأن الفرق الغربية هي وحدها القادرة على ذلك!

فهل نمتلك شجاعة التقدم نحو ذلك، وتفعلها إحدى الفرق الإفريقية أو الآسيوية، وتحصل على هذه الكأس؟ أتـمنى ذلك ولا أستبعده هذه الدورة.

“منقول بإذن من كاتبه”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

الكرة ونشل الوعي

درجات الثقة بالنفس

صفقة القرن واتجاه العالم

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. مصطفى النشار

رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، ورئيس لجنة الفلسفة بالأعلى للثقافة

مقالات ذات صلة