مقالاترياضة - مقالات

صفقة القرن واتجاه العالم .. حول كرة القدم وما تشكله لنا من أهمية!

“فى عام 2009 وعندما كانت بطولة كأس العالم للشباب مُقامة بمصر، ذكرت لى صديقة أن أخيها فى هذا الوقت كان فى المرحلة الثانوية، وكانت لاتزال الثانوية العامة تشمل عامين دراسيين وليس عامًا واحدًا كالآن، وكان أخاها فى الصف الثالث الثانوى، كما كان قد حصل فى الصف الثانى على تقدير 98,5%، وأثناء متابعة أحد مباريات هذه البطولة وكانت مصر أحد طرفى المباراة بشبابها الصغير الذين لم يتجاوزوا عامهم العشرين بعد، شباب فى مثل هذا العمر يتمتعون بذاك القدر من الشهرة والمحبة والهتافات والظهور الإعلامى والمال، الخلاصة؛ أثناء متابعة تلك المباراة من كرة القدم نظر والدها إلى أخيها ووضع يده على ظهره وقال له (ذاكر ياخويا ذاكر)، متأسفًا بهذا الكلام على أن ابنه هذا لم يكن ضمن هؤلاء الشباب”.

كرة القدم

مما لا شك فيه ومما لا يخفى على أحد ومما لا يمكن أن ينكره أحد أن كرة القدم هى الرياضة الأكثر شعبية على مستوى العالم، رياضة سيطرت على عقول الكثير من الشباب والأطفال والشيوخ والنساء، مشاهدتها على شاشات التلفاز أو من داخل الملاعب قد صارت أمرًا لا يمكن التخلى عنه، كالهواء والماء.. أما عن احترافها وممارستها فى الملاعب بشكل رسمى فهو متعة وشهرة وثراء وسلطة، سلطة امتلاك قلوب المتابعين وأحيانًا عقولهم، وهو حلم للكثير من الشباب والأهل.

أصبح لاعبو كرة القدم وجهة الأجيال الجديدة، هم البوصلة لكيف يرتدى الشباب وكيف يقصون شعرهم وكيف يتكلمون، هم نجوم الدعايا لكل السلع، هم نجوم البرامج، هم منفذ تمرير الرسائل المختلفة للجماهير كى يسهل تقبلها، هم ملوك الملاعب والشاشات.

لعبة أخلاق بالدرجة الأولى

لست من الرياضيين ولا من المغرمين بكرة القدم ولكنى أقدر الرياضة والرياضيين بشدة ولا أحد يملك ألا يفعل، كما أنى كغيرى أعرف أن الرياضة بشكل عام وكرة القدم تقوم على أن الأخلاق في كل شيئ، وقبل كل شيء، قبل المتعة الكروية، وتكتيكاتها، وقبل لمسات اللاعب س الرائعة، وتمريرات المهاجم ص الهادفة، فالأخلاق هى منارة كل لاعب نحو الصواب، ومن دونها تكون اللعبة والإنسان ناقصين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا للتعصب سواء بين اللاعبين فى الملعب أو بين الجماهير خارج الملعب، لا لتعمد الإيذاء بين اللاعبين بعضهم وبعض، لا للسباب، المهزوم يهنئ المنتصر، سلوكيات جميلة ومطلوبة ولا يمكن التخلى عنها.

ولكن إلى أى حد تظل الكلمة العليا للقيم فى عالم كرة القدم؟ وهل اللعبة تخضع للقيم بالفعل أم تقترضها فى بعض وتتخلى عنها فى بعض؟؟ هل أحيانًا تطيح المصلحة بالقيمة فى عالم كرة القدم؟

فعندما يقوم لاعب بالتوقيع على عقود الانضمام لاثنين من الأندية فى نفس الوقت، ألا يعد هذا مخالفًا للقوانين والأخلاق؟ ألا يستحق تحمل مسؤولية ونتيجة فعله أيًا كانت؟ اللاعب وقع للناديين فى نفس الوقت ولديه مبرراته، أحد الناديين وبعد علمه بتوقيع اللاعب لنادى آخر صمم على ضم اللاعب وإقناعه بكل الوسائل بالتوقيع لصالحه ثم قرر عقابه لمخالفته لمبادئ النادى!!

وللنادى مبرراته، النادى الآخر لن يقدم العقود التى وقع عليها اللاعب للمطالبه بحقه سواء بضم اللاعب أو توقيع العقوبة عليه ولهذا النادى أيضًا مبرراته، اتحاد كرة القدم لن يعاقب اللاعب ولن يتم إيقافه لأنه لاعب مهارى مهم للمنتخب المقبل على بطولة كأس العالم وهذه مبرراته، اللاعب لعب أحد المباريات أمام أحد الفرق المتميزة وبالفعل مهارته كانت عامل رئيسى فى تسجيل هدف المنتخب الوحيد فى المباراة. إذًا نحن نحتاجه ولا يمكن إيقافه.

القيمة أم المصلحة ؟

كل من ملؤوا رؤوسنا يومًا ما بأخلاقيات كرة القدم، وأن الأخلاق قبل كل شئ وأنها الأساس وليذهب هذا الفوز الممزوج بالتخلى عن القيمة قد رأوا أنه لا بأس من تمرير هذه الفعلة للاعب فقد مرر لمصر الكثير من التمريرات التى تسببت بأهداف ولازلنا نحتاجه ليمرر، ولديهم مبرراتهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن العالم حقًا وواقعًا بكل ما يحويه وكل ما يملك وقبل كل شئ يتجه أولًا إلى كشف الواقع ومعرفة الحقيقة، الحقيقة كما هى لا كما نريدها نحن، حقيقة الكون وسننه، حقيقة الفضائل وحقيقة العدل والحق، حقيقة أن تطبيق القيمة وعدم الازدواجية والكيل بمكيالين والبعد عن أهوائنا هو الضامن لصلاحنا وصلاح العالم وصلاح كرة القدم.

أما أن نرى الحق في الغنيمة والمنفعة الذاتية ولو على حساب القيمة، أن نرى أن الغنيمة فى أن يلعب هذا اللاعب والذى يتوجب إيقافه لأنه سيجلب الفوز لنا؛ فلنضع القيم جانبًا الآن أو نرى أن القيمة لا مكان لها هنا من الأصل، فالساحرة المستديرة لا تخضع لقوانين. أن نربط الحق بالرغبة والإرادة، لكان الحق يدور مدار الأهواء الشخصية والمنافع الذاتية وتسود الفوضى لا منطق ولاعدل ولا نظام.

هذا اللاعب مهم فسنعفو عنه، وأما ذاك اللاعب غير مهم فستُطبق عليه العقوبة.

إعلاء القيمة فوق المصلحة واجب

حتى وإن كان أهم لاعب فى الفريق، حتى وإن أحرز كل الأهداف، حتى وإن تسبب إيقافه فى الهزيمة، تظل القيمة هى صاحبة الكلمة العليا، تظل مصلحة اللاعب ومصلحة الفريق ومصلحة نظام المجتمع ومصلحة الجماهير التى يتأثر وعيها بما ترى فى أن يعاقب اللاعب على قدر ما أخطأ.

لا يمكن بناء أى هيكل أو أى منظومة خارج إطار الأخلاق، قد تنجح ظاهريًا لكن فى حقيقة الأمر بها خلل وخلل كبير يكبر ويتجلى فى مثل هذه المواقف، والتخلى عن الأخلاق والقيم لأى سبب هو الفوضى بعينها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الرياضة هى سلم يصعد عليه الفرد ليبلغ به روحًا سليمة، روحًا تمارس الرياضة فى جميع أبعادها الإنسانية، يمارس الفرد رياضة بدنية ويترفع عن الملذات والشهوات والمفاسد فيسهل عليه ممارسة الرياضة الروحية وبهما معًا يرقى الإنسان. وفى يومنا هذا شئنا أم أبينا أصبحت الرياضة لها تأثير كبير على الشريحة الأكبر منا، فلا يمكن أن نقبل بتمرير هذه المعايير المغلوطة لعقولنا وتمرير التعود على التهاون فى الأخلاق من خلال هذه المنصة المفتوحة على كل العالم.

لاعب كرة القدم يتواصل مع الناس من كل العالم، يأتون لمشاهدة قدراته البدنية ومهاراته ومتابعة انتصاراته، ومن خلال ذلك يمكنه هو أن يعرض عليهم القيم الأخلاقية والقيم العملية، يمكنه نشرها بين الناس من مختلف الأرض، يمكنه أن يكون أحد سفراء الفضائل والقيم على الأرض.

 

إقرأ أيضا:

الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنا مين فيهم.. أفكاري وليدة الظروف والبيئة أم وليدة الوعي والفهم ؟

أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟

دعاء محمود

طالبة بكلية الطب جامعة المنصورة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة