هل أنت بحال جيد؟ .. الجزء الرابع
من النقاط الهامة التي تحدثنا عنها في المقالات السابقة، أن الأخطر من سوء الحال هو الاعتياد على الحال السيئ واعتباره أمرًا عاديًا يمكن التعايش معه، فالإنسان وهو في ذلك الحال لن يطلب تغيير حاله ولن يسعى من الأساس في هذا الاتجاه، ستصبح قضية حسن الحال بالنسبة له قضية غير مهمة.
كذلك تحدثنا عن أن عدم الشكر والخوف هما من مقدمات سوء الحال، واليوم نتحدث عن جانب آخر حول مسببات سوء الحال ألا وهو اليأس.
أسباب سوء الحال: اليأس
معنى اليأس
كثيرًا ما يشعر الإنسان بالبرود واللا مبالاة، ويفقد حماسه تجاه الحياة بوجه عام أو بعض المواضيع بوجه خاص، وقد يصبح هذا الشخص ضعيفًا حتى جسديًا، وعلى النقيض نجد الشخص الذي يمتلك الأمل لديه طاقة كبيرة جدًا للعمل.
نشعر كثيرًا بغياب الأمل، خصوصًا عندما نقابل مشكلات الحياة الشخصية والاجتماعية وهو ما يكون مقدمة لليأس، كما هو الحال في الخوف الذي متى ما شعرنا به لأي سبب غير منطقي كانت نتيجته الحزن، فالإنسان الذي لا يشكر النعم الكثيرة التي عنده يصل إلى الخوف واليأس.
سوء الحال كما نلاحظ سلسلة مترابطة ومتشابكة يكون بعضها مقدمة والآخر نتيجة له، والمحصلة النهائية هي سوء الحال، فهذا أب يئس من إصلاح تربية أبنائه بعد الممارسات التربوية التي استخدمها لكن دون نتيجة واضحة، ما يسبب له اليأس من الاستمرار ويضطره لترك أمر التربية إجمالًا نتيجة عدم وجود أمل في الإصلاح، فغاب الأمل من الإصلاح نتيجة اليأس والخوف من الفشل في تكرار محاولة التربية، فيصل هذا الأب في النهاية إلى سوء الحال على المستوى الشخصي نتيجة للمراحل السابقة، قد تتغير الأسباب والمقدمات لكن النتيجة واحدة غالبًا.
أضرار اليأس
لا يتوقف تأثير اليأس عند حد البرودة واللا مبالاة، بل يتعدى ليصل بالإنسان إلى حالة من الإعراض عن مساوئه الخفية والظاهرية في أغلب الأحيان، ويمتد التأثير السلبي لليأس أكثر وأكثر حتى يصل بصاحبه إلى درجة القنوط وفقدان الأمل من حدوث التغيير وتبدل الحال للأفضل، وكأن اليأس وحده يأخذ الإنسان من سوء الحال إلى مرحلة فقدان الأمل تمامًا.
هذه الحالة لا نبالغ إن قلنا أنها شديدة الخطورة، لأنها أيضًا ستكون مقدمة لمراحل أسوأ بكثير، وعلى الرغم من خطورة اليأس إلا أن كثيرًا في هذا الزمن يتعايش معه للأسف الشديد، فكثير من الأسر اليوم قد تركت التربية الواجبة عليها، وتخلت عن دورها في إصلاح سلبيات الأبناء مستسلمة للواقع القبيح الذي نعيش فيه، ولا يمكن الوصول للحال الحسن دون التعامل بحكمة كبيرة وتغيير معرفي وسلوكي لليأس.
أسباب حسن الحال
مساعدة الآخرين
بعد هذا العرض عن بعض من مسببات سوء الحال، نجد أن حسن الحال له مسببات أيضًا ومقدمات، وكما ذكرنا بعضًا منها سابقًا نذكر الآن جانبًا آخر من تلك المقدمات التي تسبب حسن الحال، ألا وهي خدمة ومساعدة الآخرين، كثيرة هي الحكم والكلمات المأثورة التي تمدح تلك الملكة الأخلاقية المترتبة على خدمة الناس ومساعدتهم، ونذكر منها على سبيل المثال: “خادم القوم سيدهم”، “إذا لم يكن لديك شيئًا تعطيه للآخرين، فتصدق بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة”، “وخالق الناس بخلق حسن”.
كيفية مساعدة الآخرين
تلك الملكة الأخلاقية هي في ذاتها حال حسن إن جاز التعبير، فكم هو جميل أن ترى السعادة في عيون الآخرين نتيجة خدمة أو عمل تقدمه لهم دون انتظار شكر منهم، كم هو جميل مساعدة الضعفاء والمحتاجين وبذل الجهد في ذلك، ويقول كثير من علماء النفس إن من أهم أسباب سعادة الفرد هو عدم انشغاله فقط بحياته الشخصية، وإن الناس الأكثر سعادة هم الأفراد الذين يجعلون من خدمة الناس جانبًا هامًا وضروريًا في حياتهم، وبلا شك أن أغلب الناس قد شعر بهذا الشعور الجيد من خدمة الآخرين، سواء تقديم طعام لسائل، أو مساعدة ضعيف في موقف، أو مداعبة طفل ليبتسم.
كما يؤكد علماء الأخلاق أن مساعدة الآخرين تعد من أهم أسباب الارتقاء الأخلاقي والنفسي والسلوكي، ويعد العطاء سببًا في زيادة الألفة بين الناس والتعاون فيما بينهم، ما يعطي للحياة معنى مختلفًا وجيدًا في اتجاه حسن الحال.
معرفة الفرق بين الحرص والتدبير
في المقابل من تأثير العطاء ومساعدة الآخرين على تحسن حال الإنسان، نجد أن الحرص الذي يجعل الإنسان فاقدًا للاستقرار هو من مقدمات سوء الحال، والمقصود هنا الحرص في غير محله، كأن يحرص الإنسان على توفير قدر كبير وغير ضروري من المال أو الملابس أو الطعام في منزله بغير حاجة حقيقية لذلك.
هنا يجب التفرقة بين التدبير المطلوب والحرص غير المطلوب، فالتدبير أمر ضروري وواجب، إذ يعد نَظْمَ أمور الحياة وترتيبها من صفات الإنسان الحكيم، الذي يدرك واقعًا ما يحتاج فيدبر أمره، عليه أن يدخر مثلًا بعض الأموال للرعاية الصحية أو كسوة أولاده بالحد المناسب، وأن يدبر أمره كي يستطيع عمل بعض المستحبات من دفع صدقات أو مساعدة محتاج قدر المستطاع، لأن مساعدة الغير كما ذكرنا من مقدمات حسن الحال.
تحديد قيمة النفس الحقيقية
إذا قضى الإنسان على الحرص الضار سيصل إلى الاستقرار، الذي من خلاله يستشعر الإنسان قيمة نفسه الحقيقية كونه مخلوقًا مكرمًا من خالقه، وليس المقصود بالشعور بقيمة النفس أن يصل الإنسان إلى الغرور والعُجب المهلك، بل يجب تجنب تلك الملكات القبيحة في النفس، فمثلًا الإنسان الذي شعر بقيمة نفسه الحقيقية دون غرور هو ذلك الشخص الذي يرفض الإذلال والتدني النفسي والأخلاقي، وهو أيضًا من يرفض الظلم لأنه يدرك قيمة نفسه وأنه مخلوق ضعيف.
على النقيض من معرفة الإنسان حجمه الحقيقي نجد التكبر والاستعلاء، تلك الحالة التي من خلالها يعظم الإنسان نفسه، شعور الإنسان بقيمته الحقيقية –والذي يعد أيضًا من أسباب حسن الحال– يجب أن ينبع من القيم التي يتحلى بها لا من الإمكانيات المادية التي يمتلكها، فكم من غني مغرور متكبر وكم من فقير حقير ذليل.
كيف تقدر ذاتك؟
قيمة النفس لا هي التكبر ولا هي الإذلال، بل قيمة ما يمتلكه المرء من قيم أخلاقية حسنة ومقدار العطاء الذي يقدمه، والذي يجعل منه محبوبًا لسلوكه وأخلاقه ما ينعكس عليه بحسن الحال، فشعور الفرد بقيمته من عائلته ينعكس عليه إيجابيًا، هذا التقدير في الأساس نابع من عطاء الفرد نحو عائلته ومحبته ورعايته لهم، ما يجعل منه محبوبًا وصاحب قيمة ومنزلة كبيرة في أسرته، فدور الأب والأم داخل الأسرة وكم العطاء والرعاية التي يقدمونها تجعل محبتهم مترسخة في نفوس أبنائهم، وهكذا في كل التجمعات التي يتعامل معها الشخص سواء في تعليم أو عمل أو جيران.
من يعرف قيمة نفسه الحقيقية لا يخوض في الخلافات، بل يحاول حلها ولا يكون من أهل القيل والقال والجدال العقيم وبث الفرقة والنميمة، من يعرف قيمة نفسه يمشي بين الناس بالمعروف والكلمة الطيبة.
يتبع..
مقالات ذات صلة:
*************