مقالات

عُقدة أوديب

عرض ونقد

واحدة من أشهر العقد النفسية اللي ممكن يواجهها إنسان في دراسات العلل النفسية، ناقشها فرويد في أكتر من طرح، وعرض فيه إن بعض مناهج التربية اللي بيتبعها بعض الآباء بتسمح بظهور الحالة دي أو العقدة النفسية دي.

وكلمة عقدة دي مهمة جدًا عشان تفهمها، ومعناها إنك لما تجيب حبل وتعمل فيه عقدة كده بيكون صعب فكها عن الحبل، بتفضل موجودة في الحبل المفرود برضه.

المقصود بالعقدة عند فرويد

وفكرة العقدة دي إن “فرويد” بيشوف إن أي مولود جديد بيميل للجنس المُخالف له من الوالدين أكتر عن التاني، يعني الولد بيحب أمه ويميل لها، والبنت بتحب باباها أكتر، والأدهى إن الطفل المذكر مثلا بيشوف إنه محتاج للتنافس مع والده

وبيغير منه لعلاقته مع الأم اللي بيتسابق مع باباه لنيل اهتمامها ورعايتها، لدرجـة إن مع التحليل النفسي لبعض المجرمين اللي قتلوا الأب بيتضح مدى تعقيد الأمر بالنسبة لهم استنادًا للعقدة دي.

فرويد بيشوف إن ده انجذاب جنسي معقد حبتين ناحية الوالد من الجنس الآخر في مراحل التطور الأولى لدى الطفل، واللي بتكون من سن 3 لـ6 سنوات، ومع التنشئة السليمة بيقدر الطفل يعبر المرحلة دي بكل سلاسة للمرحلة اللي بعدها،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

واللي فيها بيميل الطفل للجنس المُوافق له أكتر، وإن لو ده متوضحش في السنين الأولى من التنشئة بتحصل مشاكل كبرى لا شعوريـًا لدى الطفل، بتعمله مشاكل بعد كده في مرحلـة النضوج ومنها بتستمر معاه العمر كله، عشان كده استدل فرويد على أسطورة من أهم الأساطير الإغريقية على الإطلاق.

تعالى أفهمك إزاي

أسطورة أوديب

عقدة أديب

زي أي حكاية ممكن تسمعها على الإطلاق، الأحداث بتكون ماشية طبيعية لحد نقطة الانفجار بتبدأ الأحداث بالتسارع بشكل مدهش، إلا في الحكاية دي، هي بتبتدي غريبة وبتنتهي بشكل أغرب، زي ما حصل مع الملك “لايوس” ملك مدينة “طيبة”.

آه بُص يا رفيق..

كابوس لايوس

كان في مدينة إغريقيـة قديمة اسمها “طيبـة” برضه ونُطقها بالإغريقي “تيبيس”، لكن خلينا نكتبها وأنت تقرأها بالشكل الصحيح السليم “طيبة”، الحاكم بتاعها كان إسمه “لايوس”، لايوس شاف كابوس مزعج كان من شأنه يـغير كل مستقبل اليونان وغالبًا الأدب العالمي كلـه،

لايوس شاف في الكابوس ده اللي اضطره أنه يستدعي العرافة الملكيه فورًا، واللي أول ما وصلت وهي ماسكه عصاها في إيدها سمعت الكابوس من لايوس بهدوء، وفجأة.. بدأت تـخبط بعصاها على الأرض للحظات

وقالت: “ابنك هو اللي هيقتلك وكمان هيزني بأمه ويورث الحكم!”، الملك بص للعرافة كده وعينه كلها فزع وسـقط على كرسي العرش مُدركـًا إن تفسير العرافة حقيقة محضة، استنادًا على معلومة مُهمـة جدًا..

مولد أوديب

بعد فترة طويلة من عدم الإنجاب، زوجتـه الجميلة “چوكاستا” حامل وعلى وشك الإنجاب اليومين الجايين، لايوس جمع كبار القادة بتوعـه وعرض عليهم الموضوع، اقتراحاتهم كانت بإبعـاد المولود الجديد عن أرض طيبة بمُجرد ما چوكاستا تضعـه، ولحد ما كانت لحظة ولادته فعلا،

أول ما اتولد أمر الملك بدق المسامير في رجله عشان ميقدرش يمشي ويرجع مرة تانية، وأبعـده بعيدًا فوق الجبل يمكن تأكله الأسود أو أي حاجـة، بس “لايوس” ميكونش أمر بقتله مباشرةً يعني، دق المسامير في القدم كان عبارة عن وسيلة عشان يتم لزق أصابع القدم كلها في بعضها البعض، وفعلا اترمى فوق الجبل.

إنقاذ أوديب

هناك تدخل القدر عشان يصنع لنا ملحمة أسطورية، وشافه بالصدفة راعي أغنام، الراجل أول ما شاف المولود مرمي بين الأطلال في الجبل صعب عليه جدًا وقرر أنه يروح بيه لقصر ملك أقرب مدينة من الجبل، واللي مكنتش مملكة “طيبة” إنما مملكة تانية اسمها “كورنتيا”، المملكة دي الملك بتاعهـا اسمه “بوليبس” وكان هو وزوجته مش بينجبـوا أطفال،

فقرر أنه يحتفظ بالمولود أول ما شافه، وبسبب شكل رجله الغريب أطلق عليه اسم “أوديبوس” أو “أوديب”، وأمر راعي الغنم ده أنه ميجيبش سيرة اللي حصل ده نهائي لحد، وبدأ يدّعي إن الطفل مولود من رحم زوجتـه شخصيًا، وبينه وبين نفسه صدق أنه هدية مُرسلة له من السماء.

آه منا نسيت أقولك إن الملك “بوليبس” كان شاف هو كمان حلم مفاده إن له مُكافأة من السماء جزاءً على صبره الطويل، ولما شاف المولود ده حس إن هي دي الهديـة المُنـتـظرة.

طبعًا الولد اتربى تربية ملوكي، كلها دلع وعدم مسؤولية، ومرت الأيام والسنين وكبر “أوديب” والدنيا بقت تِتفتح قدامه، اتعلم وبقى مثقف، فقرر أبوه الملك أنه يُرسله في بعثه استكشافية لـ”دلفي” يقابل فيها الفلاسفة والمفكرين هناك.

أوديب والعرافة

لو سمعت أو مسمعتش قبل كده عن عرافـة دلفي واللي هي واحدة من أشـهر العرافات في الموروث الإغريقي فغالبًا هتعرفها من هنا.

وصل “أوديب” لمدينة دلفي ومشي فيها شوية رفقـة أبناء كبار القادة من القصر الملكي، لحد ما انفصل عنهم كده قدام كهف مُريب مُظلم وقرر أنه يدخلـه، هناك قابل عرافة عجوزه غريبة، أول لما شافته اتفزعـت وقالتله: “أنت اسمك إيه؟” قالها: أوديب!

قربت منه ودققت النظر لملامحـه وهي شايـلة في إيديها مصباح صغير كده وعصاها في إيدها التانية، قالت له: “أنت اللي هـتقتل الملك وتزني بأمك!”، طبعًا الولـد سمع الكلمتين دول من هنا وجاله حالة من الفزع والاستنكار الشديد.

ولفترة البعثة عاش فيها بعـذاب وهو بيفكر في كلام العرافـة دي وبيحاول يقنع نفسه أنها أكيد بتخرف، لكن عقله مصدقش، فقرر إنه ميرجعش تاني لـ”كورنتيا” عشان ميقتلش أبوه اللي هو “بوليبس” ولا يزني بأمه.

الرجل العجوز

طبعًا أنت يا رفيق عارف إن دول مش أمه ولا أبوه الحقيقيين بس هو ميعرفش! ومن هنا بدأت الحدوتة تاخد مُنحنى جديد.

الشاب الحيران واللي كان بيمُر بأزمـة وجودية قرر أنه يعبـُر الجهـة التانـيـة من الجبل باتجـاه المُدن المُقابلة، وفي سكتـه وعلى حدود مدينة اسمها جديد بالنسبة له، مدينة “طيبـة”،

قابل على حدودهـا راجل عجوز كده ومعاه اتنين شباب واضح أنه راجل ذو قامة ودول الحُراس بتوعـه أو تابعين له، الحوار بينهم كان مـتوتر لما سأل العجوز الولد الشاب عن سبب زيارتـه لمدينـة طيبـة، ولكن الولد مجاوبش بل اكتفى بالصمت.

الشباب اللي مع العجوز اتعصبوا من طريقـة تعامُل الشاب مع الــعجـوز فقرروا يعنفوا الشاب الحزين، ولكن بسبب ضيق صدره فالحوار بينهم لم يسر على ما يُرام. دارت بينـهم مشكلة انتهت لتلاحـُم بالأيدي نتج عنـه سقوط الشابين صرعى وإصابة أوديب بجروح طفيفة، ممنعتوش من أنه كمان يقتل العجـوز اللي كان معاهـم بعد ما أصابتـه حالة من الهلع الشديد.

الوحش أبو الهول

دخل المدينة لقى في مُصيبة أكبر، الناس مُنهارة جوة، في وحش اسمه “السفينكس” واللي ترجمتها “أبو الهول” يعني، الوحش ده له رأس “امرأة” وجسم أسد وله جناحين، الترجمـة الحرفية للمخلوق العجيب ده كانت “أم الـهول”.

الناس اللي كانت مستخبية من الوحش الخُرافي ده كانوا لما بيشوفوا أوديب واللي هو غريب مش من المدينة كانوا بيفتكروه مُنقذ جاي عشان ينقذهم من الوحش ده، فكانوا بيحكوا له عنـه ويسيبوه يمشي.

فحكوا عنه أنه بيعذب الناس في المدينة واللي بيقع تحت إيده بيطرح عليه أحجية لو معرفش يجاوبها بيعذبه ويقتله، الناس كانت بتستخبى منه في كل مكان، مش عارفين يعملوا إيه مع الكيان الفظيع ده!

غير قوته وأحجياته مستحيلة الحل تقريبًا، فبسببه النظام الملكي في المدينة اتحل ومبقاش فيه نظام والناس بس كويس إنها عايشة لا عايزين ياكلوا ولا يشربوا المهم إنهم عايشين .

حل لغز أبو الهول

دخل “أوديب” المدينة وفضل ماشي بكل ثقة، لحد ما قابله “السفينكس” ده، أول مرة يشوفه أصابتـه حالـة من الفزع، الوحش الخُرافي ده قرب من أوديب وسأله: “أنت غريب، لست من أهل المدينة، فمن أين أتيت؟”، قال: “كورنتيا”، السفينكس قاله: “أنت كذاب، أنت من طيبة هنا”، فبكل ثقة “أوديب” أكد له أنه من “كورنتيا”.

السفينكس أو أم الهول من شدة غيظه قرر أنه يعرض عليه أحجيته عشان يتخلص منه، الناس بتراقب من بعيد، فسأله: “ما هو الحيوان الذي يمشي على أربع صباحًا، وعلى اثنين ظهرًا، وعلى ثلاث مساءً؟”،

بعد لحظات من التفكير لمعت في عيون “أوديب” الإجابة فقاله: “الإنسان!”. السفينكس بص لـ”أوديب” نظرة خوف شديد ومفيش لحظات إلا وانفجر “السفينكس” وانتحر مرة واحدة!

هدوء.. صمت طويل!

الناس خرجت من مخابئها مصدومة مش عارفة إزاي حصل إن “سفنكس” قتل نفسه، محدش عرف يحل أحجية من أحجياته قبل كده عشان يعرفوا إيه اللي هيجرى، وطبعًا “أوديب” بالنسبة لهم بقى بطل قومي، نظراتهم له كانت إعجازية، اللي هو أنت مين وجيت منين؟! “أنت المُخلص المُنتظر”، قالوا له كده.

تحقق النبوءة

خرج رجل مهم أوي اسمه كربون، ده يبقى أخو “چوكاستا” ملكة طيبة، وشرح لأوديب اللي مكنش فاهم حاجة خالص من اللي بيحصل حواليه الوضع كله، قاله إن الملك هرب من المدينة بعد اللي حصل،

وإن كربون هو القائم بأعماله لحد ما ييجي الشخص المُختار اللي قالت عنه نبوءة عرافة عجوز إنه هييجي ويتسبب في موت “أم الهول” وهيكون ملك البلاد، وبكده “أوديب” يبقى الملك ولازم يتجوز الملكة، أختـه “چوكاستا”، وفي حفل مهيب واحتفاليـة عظيمة يُقام حفل زواج أوديب من چوكاستا.

طبعا أنا وأنت كده عارفين إن چوكاستا تبقى أمه، والعجوز اللي اتقتل على باب المدينة ده يبقى والد أوديب، يعني النبوءات كلهـا تحققت، بس أوديب ميعرفش.

صدمة كبيرة

الدنيا بقت حلوة أوي في عيون “أوديب” اللي بقى ملك على طيبة، وبقى في إيده سلطة عظيمة حرفيًا من اللا شيء، وكمان اتجوز من أجمل امرأة موجودة هناك، نتيجة للزواج ده “أوديب” و”چوكاستا” جابوا بنت صغيرة، وبعد فترة كانت المدينة على موعد مع كارثة مُظلمة جديدة،

حل الطاعون على المدينة، والناس ابتدت تموت، ومفيش حل نهائي، هنا افتكر “أوديب” العرافة العجوز اللي قابلها في “دلفي” فبعت لها “كربون” أخو چوكاستا يجيبها عساها تعرف الحل.

العرافة وصلت للمدينة عشان تـقابل الملك، العرافة كانت ماسكة عصاية في إيدها، ضربت بيها على الأرض وقدام الملكة “چوكاستا” والملك الجديد “أوديب”، فجأة نطقت من عُمق الصمت وقالت له: “ألم أقل لك أنك ستقتل أباك وتزني بأمك؟!”، صمت..

صدمة كبيرة وقعت على وجـه أوديب، ونظرات ريبة وعدم تصديق لأمه وزوجتـه في آن “چوكاستا”، اللي انهارت عن فورهـا.

موت أوديب

القـصر الملكي تزلزل مِـن بـعد كـلام العـرافة اللي حكـت الحقيقة كاملة، من أول لقاء أوديب في الجبل وهو مـولود صغير لحد وصوله لعرش مَملكة طيبة قدام چوكاستا، اللي معـداش غير أيام وانتحـرت مـِن هـول الصدمـة، بينما أوديـب فقأ عيناه وبقى أعمى تمامًا وأخد بنته اللي خلفـها من چوكاستا ورحل عن المدينة للأبد.

أوديب عاش عُمره اللي باقي لابس زي المجانين، ورابط مُقلتي عينه ومُتكئ على عصا ومعاه بنتـه بتخدمه وبيتنقلوا من الكهف ده للكهف ده، لحد ما مات في كهف وحيدًا على حدود أثيـنا بعد ما هربت بنتـه منه للأبد.

طيب بعيدًا عن جودة القصة، خلينا في المغزى منها واستخدام قصة زي دي في مدارس التحليل النفسي كان إزاي؟

اقرأ أيضاً:

قصة مُثيرة للغثيان والرُعب النفسي

صورة وجه وظهر

 خطورة الفكر المادي الغربي

المغذى من الأسطورة

الفكرة اللي اعتمـد عليها “فرويـد” في طرحـه لنظريته في التحليل النفسي للحالات اللي اتكلمنا عليها فوق دي أطلق عليها عقـدة أوديب، ودي تُعتبر من العُقد النفسية اللي ممكن تلاقي نفسك محطوط قدامها في تعامُلك مع بعض الأشخاص.

أشخاص مش أسوياء نفسيـًا، ومش قادرين يفهموا إن ده بكل بساطة مش بر الوالدين ولا حاجـة ده يا رفيق خلل نفسي، لأن أنت في ظروف تانية وبتنشئة تانية مكنش هيكون عندك نفس الطبيعة السلوكيـة دي. ولا إحنا عندنا الكم المعرفي اللي يخلينا نحدد المشكلة فين إلا من خلال قراءتنا وإطلاعنا المستمر.

تصرفات المصاب بعقدة أوديب

عقدة أديببس علماء النفس حددوا سلوكيات مُعينة بتصدر من الأطفال تقدر من خلالها تحدد العقدة دي بدري وتعالجها:

  • استحواذ الطفل على أمه لنفسه، وتحذير أبيه من لمسها أو الاقتراب منها.
  • إصرار الطفل على النوم بين أبويه.
  • تصريح الفتاة برغبتها في الزواج من أبيها عندما تكبر.
  • تمني الطفل أن يسافر أباه ليتمكن من الحلول مكانه.

علاج عقدة أوديب

ونرجع لفرويد وملحمة أوديب..

لأن فرويد افترض هنا إن أوديب كونه لم يعبر من المرحلة اللي فيها ولعه وشغفه بحبه لأمه وتنافسـه مع أبوه، بالتالي ده كان لا شعوريـًا سبب في قتله لأبيه وزواجه من أمه من غير ما يعرف، لأن أنت قدامك مُجتمعيًا كتير من المشكلات اللي بتـظهر على الأشخاص وبنفتكرها حاجة عادية مش اختلال نفسي.

طيب إيه الحل؟

الحل أول ما تشوف السلوكيات دي بتـظهـر على طفلك إنك تـحاول تلغي الحساسية دي، وتولي ليه اهتمام ووقت أكبر وتعرف أنه في أزمة نفسية.

انتقادات وجهت لعقدة أوديب

في الأخيـر الإنسان كائن مُعقَد جدًا مش بسيط، ومليان بالعُقد النفسية اللي بتحتاج مع الوقت إنها تتحل بس عن طريق الاستماع والإرادة الحقيقية في إيجاد حلول، ونستعرض بعض منها على سبيل نقد الطرح الغربي، نحن نختلف مع بعض تفسيرات علم النفس الحديث لعدة أسباب:

أولا: عدم وجود أدلة سليمة:

فمثلا في العقدة المذكورة يتم ذكر أن هناك ميلًا للأبناء للجنس المختلف عنهم من الوالدين، وهو أمر يحتاج إلى إحصائيات دقيقة ودراسات موسعة للتسليم به كحقيقة علمية!

ثم ينطلق فرويد من هذه المقدمة ليزعم أن هذا الميل هو ميل جنسي! بدون دليل معتبر على ذلك! ومعنى جنسي المستخدم هو جنسي بالمعنى الشائع والمعروف!

وقيام بعض المرضى النفسيين بالتصريح مثلا بأنهم كانت لديهم ميول جنسية تجاه والديهم لا يجعل هذا قاعدة، بل هم مرضى لا يمكن قياس حالتهم على الأصحاء! واستخدام الأسطورة -لو تم- في الاستدلال فهو ليس بالتأكيد استدلالًا علميًا!

نقد مدارس النفس الحديثة

كما أن مدارس علم النفس الحديثة نفسها انتقدت مدارس التحليل النفسي (وعلى رأسهم فرويد)، واتهمتها بعدم وجود أدلة تجريبية على أحكامهم، ونحن نضيف بأنه لا توجد أدلة تجريبية أو أدلة عقلية (برهانية منطقية أو فلسفية) أو نصية (دينية)!

والموضوع يمكن تفسيره بتفسيرات أبسط من ذلك بكثير بدون إدخال الميول الجنسية في الموضوع كما يفعل فرويد دائما، بل إن دخول الميول الجنسية في الموضوع غير مقبول، لأننا نتحدث عن أطفال لم تنم أعضاؤهم التناسلية بعد بشكل يجعل لهم حياة جنسية أو ميولًا جنسية!

التفسير الصحيح هو ما قام على الدليل الصحيح

فمن التفسيرات التي يمكن قبولها بشكل أسهل، أن البشر لديهم أنانية تجعلهم يطلبون أن يكون كل الاهتمام لهم -وهذا قد يحدث في أي عمر ومع أي شخص- وبالتالي يرفضون أن يذهب اهتمام أحد والديهم للآخر!

وهذه المشكلة قد تظهر بشكل أوضح في الأطفال، لأن الطفل غير عاقل ولا يستطيع التمييز، فيترك أهواءه وأنانيته ورغباته تتحكم فيه، ولا يفهم بعد أن والديه ليسا تهديدا! أما باقي أعراض العقدة المزعومة فيمكن تفسيرها بطرق متعددة.

أخيرًا نحن لا نرفض أي تفسير، لكننا نقول أن أي تفسير يجب أن يكون لديه أدلة علمية قوية ترجحه وليس مجرد رأي!

ثانيًا: الاختلاف في الرؤية للكون والإنسان:

مدارس علم النفس الحديثة في أغلبها تنظر للإنسان كمجرد جسد مادي، والمدارس الأرقى تنظر إليه كمجرد حيوان! فمثلا فرويد في تفسيراته وتحليله النفسي يتحدث دائما عن الغرائز الشهوية والعدوانية عند الإنسان، وهذه الغرائز في الحقيقة مشتركة بين الإنسان والحيوان!

لكنه يهمش دور وأهمية العقل والتفكير المنطقي، والاختيار الحر والإرادة الإنسانية والضمير، والإيمان والاعتقاد والأخلاق، وغيرهم من الأمور المعنوية التي تميز الإنسان! وبالمثل في أغلب مدارس علم النفس الحديث!

فالحضارة الغربية الحالية حضارة مادية في أغلبها، أي لا تعترف إلا بالعالم المادي، وتنكر الأمور الغيبية والمعنوية كالإله والروح! أو لا تجعل لهم أهمية كافية!

ثقافتنا مختلفة، فنحن نثبت بالأدلة العقلية المنطقية والبراهين العقلية وجود الإله وكماله ووحدانيته، ووجود جانب معنوي لدى الإنسان يميزه عن الحيوانات! فرؤيتنا تُعلي من قيمة الإله والجانب المعنوي لدى الإنسان، وليس كالرؤى الغربية!

أ. مصطفى محمود حسن

باحث وكاتب روائي