الغزل العذري وتصحيح الصورة النمطية للعرب .. الجزء الرابع
نسج شعراء العرب في الجانب العذري، كما نرى عند كثيرين مثل لسان الدين بن الخطيب، وابن زريق البغدادي، وابن زيدون، وأبو الحسن علي الحصري القيرواني، وأبو البقاء الرندي، وصولًا إلى محدثين مثل عبد القادر الجزائري، ومحمود سامي البارودي، وخليل مطران، ومصطفى صادق الرافعي، ثم إبراهيم ناجي وعزيز أباظة، وعلي محمود طه، وكامل الشناوي، وفهد العسكر، وسلطان بن علي العويس، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، وإدريس جماع، وعبد الرازق عبد الواحد، ونزار قباني، وغازي القصيبي، ومحمود درويش، وأحمد سويلم، وفاروق جويدة، وحبيب الصايغ، والهادي آدم، وجيلي عبد الرحمن وغيرهم.
وقد عاش الشعراء العذريين حياتهم في صدق من المشاعر الفياضة، ومعاناة شديدة، بسبب “ما يرافقه من حزن وكبت يجل عن الوصف”! ولا يعني هذا أن مسار الشعر العربي في باب العشق كان عذريًا كلية، إذ كان هناك من شبب بالنساء، وعرض بهن أحيانًا. ويقال إن إمرؤ القيس وقبله خاله مهلهل أول من فعل هذا، وجاء النابغة الذبياني ليفرط في غزله الحسي، إلى درجة أنه طابق في هذا ما كان يفعله وقتها شعراء الفرس والروم.
في الوقت نفسه لم يغب الجسد تمامًا في الغزل العفيف، فهو قد حضر فعلًا في بعض الحالات، لكن كي يؤدي وظيفة في تبرير العشق عن طريق الإغراق في وصف محاسن المحبوبة وجمالها، وهذا الوصف إن كان لأعضاء من الجسد، فإن كثيرًا منه كان يرى هذا الحسن في جمال الوجه والعينين أو القوام من دون تفصيل، أي أنه كان يتعلق بالنصف العلوي من المرأة. بينما حضر نقيضه في الغزل الصريح، وجاء قويًا عميقًا، لكنه لم يفرط في هذا إلى حد بعيد، مقيدًا بتصورات الدين والتقاليد الاجتماعية.
في العموم فإن تقسيم الحب إلى عذري وحسي بهذا الشكل الحدي فيه كثير من التسرع، ففي الواقع تزامن النوعان في مكان واحد، وعند شاعر واحد مثل أبو نواس، الذي كان ينظم اللونين، وهناك غيره. كما أن الاعتماد على الشعر وحده للتعبير عن هذا الواقع الاجتماعي ليس كافيًا. لكن المسار العذري في الشعر العربي قوي ظاهر، ولا يمكن نكرانه، بما يجعله صالحًا، في حد ذاته، أن يمثل برهانًا جليًّا في الرد على الأسانيد التي يقدمها بعض المستشرقين، من أجل تكريس صورة نمطية للعربي.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
