سارق ومسروقفن وأدب - مقالاتمقالات

سارق ومسروق – الوجه السابع والثلاثون

أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"

حين غادره العراف كان السارق متيقنا من أنه قد صار أمام أسئلة صعبة، وصفها صاحبه الوحيد بأنها شوك مسنون، ونصحه بالذهاب إلى طبيب نفسي.

لم يكن بوسع السارق أن يغفر لأي أحد أن يقدم له مثل هذه النصيحة، لكنه قبلها من صاحبه، الذي كان في الحقيقة قائدا له، يتقبل التعامل مع السارق، ليس طمعا ولا طلبا لأي شيء فيما حازه السارق بالفعل، لكن لأن الرجل كان مخلصا لما تعلمه طيلة حياته. لهذا قال للسارق، بعد أن أنصت إلى كل حكايته:

ـ لا تتردد في إرجاع ما أخذته إلى أصحابه.

رمى إليه نظرة غاضبة، وقال:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ـ أنا صاحب كل شيء.

كان الرجل حكيما، فأدرك أنه أمام شخص يستحل كل شيء، لهذا اقترب منه هامسا، وقال:

ـ في زمن الانفتاح على كل العالم، نحاط بكل ما يدعونا إلى التسيب والانحراف، لكن الملتزم في زماننا بألف ممن ثبتوا في الزمن الأول، الذي يعتقد الواهمون أنه زمن العودة إلى الصراط المستقيم، لهذا أقول لك إنني صاحب ما تراه ملكا لغيري، ليس لأنه ملكي بالفعل، لكنه هو لمن أعتقد أنني أقرب منك إلى فهم ما يريده، هكذا أزعم، وليس لدي يقين.

هكذا قال الرجل، ثم اقترب من السارق، وهمس له في هدوء:

ـ هل جربت الذهاب إلى طبيب نفسي؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هز رأسه مداريا غضبه، ثم غمغم:

ـ لست مجنونا!

ابتسم الرجل، وقال له:

ـ تتحدث وكأنك قروي ساذج.

بلع الإهانة، لكن الرجل، خفف من كلامه حين شرحه:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ـ أهلي من الريفيين كانوا يعتبرون زيارة الطبيب النفسي إعلانا عن الجنون، فيتركون أعصابهم تحترق، والحزن أو الملل يقتل نفوسهم يوما بعد يوم، فيسقطون إعياء، مع أن دواءهم كان بسيطا. أما مرضى الصرع والفصام فحدث ولا حرج.

وهو جالس أمام الطبيب، شرد السارق في أيامه الأخيرة، وقال بحروف مرتعشة، لا تكاد تخرج من فمه:

ـ تطاردني الوجوه.

نظر إليه مليَّا، وطلب منه أن يحكي كل شيء بالتفصيل، فحكى دون أن يأتي على ذكر سبب المطاردة، لكن الطبيب تشكك في هذا، وسأله على الفور:

ـ لماذا تطاردك؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تلعثم، ولوى عنقه بعيدًا، حتى لا تقع عينا الطبيب على عينيه، واعتقد في هذه اللحظة أنه لو اعترف للطبيب، فإن الوجوه التي تطارده ستزداد واحدا، فبلع لسانه، وانتفض واقفا، وهو ينظر إلى باب الخروج، فقال له الطبيب وهو يغالب تقززه:

ـ أنصحك بالذهاب إلى دار الإفتاء.

اقرأ أيضاً:

الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع، الوجه الخامس

الوجه السادس، الوجه السابع، الوجه الثامن، الوجه التاسع ، الوجه العاشر

الوجه الحادي عشر، الوجه الثاني عشر، الوجه الثالث عشر، الوجه الرابع عشر

الوجه الخامس عشر، الوجه السادس عشر، الوجه السابع عشر

الوجه الثامن عشر، الوجه التاسع عشر، الوجه العشرون، الوجه الحادي والعشرون

الوجه الثاني والعشرون، الوجه الثالث والعشرون، الوجه الرابع والعشرون

الوجه الخامس والعشرون، الوجه السادس والعشرون، الوجه السابع والعشرون

الوجه الثامن والعشرون، الوجه التاسع والعشرون، الوجه الثلاثون

الوجه الحادي والثلاثون، الوجه الثاني والثلاثون، الوجه الثالث والثلاثون

الوجه الرابع والثلاثون، الوجه الخامس والثلاثون، الوجه السادس والثلاثون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة