فن وأدب - مقالاتمقالات

رائحة شياط

هل كبرتُ إلى حد نسيان أن أضع وقودًا في سيارتي؟! لم يكن سؤالًا أطرحه على نفسي، بل حقيقة أقررت بها وإن كنت أتجاهلها، فقد بدأت الأمور تفلت من بين يديّ، ظننتني أتناسى ما لا أرغب فيه، لكن تبيّن أن ذاكرتي لم تعد كما هي، أضحت ككأس امتلأ عن آخره، ثم يفيض على جوانبه بما لا تحتمل طاقته.

الآن ماذا أفعل وأنا أقف على يمين طريق سريع؟ خجلي يمنعني أن ألوّح للسيارات المارقة طلبًا للمساعدة، كما أن قدرتي الجسدية أصبحت متواضعة للغاية، فلن أستطيع أن أمشي مسافة كبيرة لأقرب محطة بنزين، حيرة وأي حيرة!!

دورية الشرطة

وقفتي في الخلاء أثارت ريبة دورية شرطة، فهبط منها بضعة أفراد، لفوا حولي، دققوا النظر بباطن السيارة،على المقعد الخلفي، طلبوا رؤية الرخص والأوراق الرسمية، فلمّا زال بعض توترهم، جاء السؤال: لمَ تقف هنا؟ فحكيت لهم عن مشكلتي، أصغَوا إليّ، ثم هزوا رؤوسهم ومضوا، لم ينس كبيرهم أن يحذّرني مغبة المكوث في الظلام كثيرًا.

لم أجد غير أن أنزل عند نصيحته، ركبت معهم بيدي جركن فارغ ضاع غطاؤه، لمّا وصلت إلى محطة الوقود شكرت الدورية، الضابط المسؤول فيها، لوّحت لهم بيدي مودّعًا، تجاهلت نصيحة ثانية بضرورة ألّا أخرج لوحدي، ألّا أقود سيارتي على الطريق السريع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سخافة الموقف تضاءلت أمام قسوة هذه العبارة، صكّت وجهي كمن يصفعني لأفيق من غيبوبة طويلة. اشتريت كمية من لترات الوقود تكفي للخروج  إلى العمار، ثم حملت الجركن بين يديّ الاثنتين، أبدله من واحدة لأخرى، خطوات وئيدة، تقّرب بيني وبين سيارتي، لكنها تبعدني عن أشياء أخرى.

اشتعال النار في السيارة

 

2015 8 2 18 31 8 706 - رائحة شياط

فلمّا وصلت، كانت نصف الكمية قد تبخّرت، أدركت أن الباقي يكفي بالكاد للخروج من عتمة الليل المُقبل سريعًا إلى بقايا نهار في الأفق البعيد. فلمّا أدرت محرك سيارتي، تحشرج صوته في البداية، اهتزت جنبات العربة كمارد يغضب لصحوة قبل أوانها،

فربتُ على مقودها، لكن وصلت لأنفي رائحة شياط، هبطتُ لأرى ما يحدث، أدركت الموقف الجديد، كانت النار تشتعل في السيارة، تأتي من أسفلها، تلفّها لفًّا في حركة دائرية أشبه بدوّامة، كأنما تسعى وراء طريدة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وجدتني أقف أمام العربة، تندلع ألسنة اللهب إلى السماء، تتراقص وتتشكّل في خيالات غريبة. حرارة رهيبة انزاحت أمامها برودة الطقس، نار ونور يضيئان قلب الليل الذي حلّ منذ لحظات.

غير بعيد رأيت دورية الشرطة أثناء عودتها بالجهة المقابلة بالطريق، تومض أنوارها التحذيرية، يضرب سائقها نفير سيارتها بنغمات رتيبة أقرب لتلك التي تصدر عن سيارات زفاف العروس، بينما الجنود بالخلف والضابط بالأمام يؤدون لي تحية عسكرية بإجلال غريب.

اقرأ أيضاً:

وفي الأرحام نجاة

مشاهد من الحياة “السيدة بيرتا والرجل العجوز”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عشرة أضعاف

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

محمود حمدون

قاص و روائي

مقالات ذات صلة