مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل والدَلَالة .. الجزء الأول

الدَلَالة والدال والمدلول، وأقسام الدَلَالة

تحدثنا -صديقي القارئ صديقتي القارئة- في الدردشتين السابقتين (العقل والألفاظ ج1، ج2) عن تقسيمات متعددة للألفاظ، والتي تمنع معرفتُها من وقوعنا في الخطأ عند التفكير. وفي هذه الدردشة نتحدث عن الدلالة وأقسامها الستة.

الدلالة والدال والمدلول

الدَلَالة هي من المفاهيم التي يتعامل معها الإنسان في كل لحظات حياته فتراه -مثلًا- يقول: هذا الزي يدل على أن صاحبه عسكري، وذاك يدل على أن صاحبه من رجال الدين، وهذه الإشارة المرورية الحمراء تدل على التوقف، وسرعة النبض تدل على ارتفاع درجة الحرارة، وصفرة وجه صديقك تدل على خوفه، وهكذا.

تعريف الدلالة

والدلالة هي: العلاقة بين الشيئين اللذين يدل أحدهما على الآخر. أو “هي كون العلم بشيء ما (ويسمى الدال)، يوجب العلم بشيء آخر (ويسمى المدلول)”، والصفة الحاصلة من الدال ومن علاقته بالمدلول تسمى دلالة.

كما لو عدت إلى منزلك فوجدت غرفتك مرتبة (دال) فدل ذلك على أن شخصا قد رتبها (مدلول)، وإذا كنت تمر في الشارع ورأيت أن الضوء أخضر (دال) فإنك تعلم أنك يمكنك أن تمر (مدلول)،

وكصفرة الوجه (دال) على الخوف (مدلول)، فلو حصل العلم بصفرة وجه شخص يلزم من ذلك حصول العلم بخوفه وهذا ما يصطلح عليه بالدلالة، أي أن شيئًا ما يدل على شيء آخر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أقسام الدلالة

دلالة العقلتنقسم الدلالة إلى ثلاثة أقسام: الدلالة العقلية، والدلالة الوضعية، والدلالة الطبعية، وكل منها ينقسم إلى لفظية وغير لفظية، فمجموع الدلالات ستة أقسام.

الدلالة العقلية:

وهي التي يكون سبب الدلالة فيها العقل، الذي يحكم بوجود ملازمة ذاتية بين الدال والمدلول. فهذا الكتاب الذي أمامك يدل على أن هناك كاتبًا كتبه، وهذا الذي أوجب الدلالة على وجود الكاتب هو العقل، لذا تكون هذه الدلالة عقلية. وهي على قسمين: لفظية وغير لفظية:

أ. الدلالة العقلية اللفظية:

مثل لو أنك سمعت شخصًا يناديك من خلفك، فأنت هنا لا تراه، ولكن العقل يدلك على وجود إنسان يتكلم، فالدلالة لفظية لأن ألفاظ الكلام دلت على وجود متكلم، وعقلية لأن العقل هو الذي دل على أن كل كلام يجب أن يصدر من متكلم.

ب. الدلالة العقلية غير اللفظية:

مثل دلالة رنين الهاتف على وجود شخص متصل، وكدلالة الدخان على وجود النار، والأثر على وجود المؤثر، وكدلالة المخلوقات على وجود خالق لها، فالدلالة غير لفظية، لأن المخلوقات لا تتكلم بوجود خالق، وعقلية، إذ العقل هو الذي يدل الإنسان على أن هذه الموجودات لها خالق.

الدلالة الطبعية:

وهي التي يكون سبب الدلالة -أي العلاقة بين الدال والمدلول- فيها طبع الإنسان، فصفرة وجه إنسان تدل على خوفه، واحمرار وجهه يدل على خجله، وعليه فكل دلالة نابعة من الطبع الإنساني تسمى الدلالة الطبعية.

ومثل هذه الدلالة يتوصل عن طريقها الطبيب إلى تشخيص الأمراض. وكذلك تنقسم الدلالة الطبعية إلى قسمين: لفظية وغير لفظية:

أ. الدلالة الطبعية اللفظية:

كدلالة “أح أح” على وجع الصدر، فطبع الإنسان يدل على أنه متى وجع صدر شخص تخرج منه هذه الأصوات. والدلالة لفظية لأن هذه الأصوات ألفاظ تخرج من فم من وجع صدره.

ب. الدلالة الطبعية غير اللفظية:

مثل دلالة صُفرة الوجه على الخوف، وحُمرة الوجه على الخجل، فطبع الإنسان يدل على أنه متى خاف شخص اصفر وجهه، أو متى خجل شخص احمر وجهه. والحمرة والصفرة ليستا من الألفاظ، فالدلالة طبعية غير لفظية.

في دردشتنا القادمة -بإذن الله- نتحدث عن النوع الأخير، النوع الذي يهم المناطقة، وهو الدلالة الوضعية.

اقرأ أيضاً:

العقل والتفكير

العقل والوهم

ارتجاع العقل!

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج