مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

خُلُق العطاء

الأخلاق كالأرزاق

الناس شهود على بعضهم، فالكريم معروف بكرمه والبخيل منعوت ببخله وإمساكه، فلا تحسبن أنك تعيش منعزلًا فريدًا وحيدًا في صحراء، لا، أنتَ تعيش في مجتمع يعرف بعضه بعضًا، ويتعامل بعضه مع بعض، هذا مِعطاء سَخِي، وهذا شحيح عَيِيْ. وكما نقول: “الأخلاق كالأرزاق” فالعطاء من الأخلاق، لأنّ العطاء يرتبط بسماحة النفس وخلوّها من الأدران والأمراض كجعل اليد مغلولة إلى العنق وعدم بسْطها في الخير والامتداد بالمعروف.

وخُلُق العطاء قد يتمثّل في الأموال أو الطعام والشراب أو الملابس، أو العِلْم وهذا أشْرَفه وأعْلاه وذروة سَنامِه، ومن هؤلاء المِعْطائين أستاذي الدكتور حسن شحاتة أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، هذا الأستاذ الذي ما تتلمذَ على يديه أو تخرّج من تحت يديه طالب إلا وترك أثرًا طيبًا في نفسه كنزاهة نفس وعطاء لا محدود وعلاقات طيبة مع غيره.

كنتُ مع حضرته ذات يوم في مكتبه وبعد أن انتهينا وراجعَ أوراقي وأغلقَ المكتب وأثناء سيْرنا في الطابق الثالث مُتجهين إلى السلم للنزول، إذ قابَلَتْنَا باحثة فقالت له: “السلام عليكم من فضلك يا دكتور حسن معي استبيان وأنا قادمة من مكان كذا وأستأذنك في النظر فيه”، فبكل بساطة قال لها: “حاضر”، ثم رجعنا أدْرَاجنا إلى المكتب وقرأه ثم وقّع عليه بتوقيعه الجميل المعهود.

حرص الأستاذ على الطالب

إنّ الأخلاق الطيبة لا تكلّفنا كثير جهد ولا كبير عَنَاء، فهي أقرب من الأخلاق السيئة ولكنّ الإنسان قد يحتاج إلى مِران وتدريب على ممارستها كالكلام الطيب، والفِعل المقبول، وإشارات الوجه والإيماءات الإيجابية الفاضلة التي توحي بالقُرْب والاطمئنان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في عام من الأعوام وأنا أُرَاجِعُ أبحاث طلابي الصينيين في مرحلة الماجستير فوجدتُ طالبة تتعجّب وتقول لي: “يا أستاذ، هل تُصحّح وتكتب بيدك التعديلات؟!” فقلتُ لها: “نعم، تعلمتُ هذا من أستاذي الدكتور حسن شحاتة”.

إنّ النفس لأمّارة بالسوء، نعم، وتحب التعالي والزهو، ولكنها لكي تصل إلى مرحلة أخلاقية عالية لا بد من ترويضها وجعلها أليفة مُتواضعة، كأن يستوي لديها الظاهر مع الباطن، والسر مع العَلَن، والغِنى مع الفقر، والإطْرَاء مع الذّم.

إنّ حِرْص الأستاذ على الطالب وغرْس الأخلاق السامية لديه يساعد على تغيير المجتمع إلى الأفضل والأحسن من الصفات الكريمة والقيم والمبادىء القويمة، فأستاذي وأثناء دراستي في الماجستير والدكتوراه كان يحثني دائمًا على الاجتهاد، وما أخْلَفَ موعِدًا ضَرَبه معي قط على الرغم من كثرة مشاغله وأعماله وأنني كنتُ آتيه من دمياط إلى القاهرة،

فذات عيد أضحى اتصلتُ بحضرته لأهنئه بالعيد فرد عليّ التهنئة متمنيًا لي ولأسرتي ولأهل دمياط الخير ثم فاجأَني بقوله: “أراكَ يوم كذا لمراجعة ما أتْمَمْته من عمل”، إنه يحثكَ على إسْراع الخُطى والتقدم ومن ثم الإنجاز وأثناء سيْرك يساعدك وييسّر لك العقبات.

قِمّة العطاء

عطاء العِلم وبث الأخلاقيات الإنسانية من أسمى العطاءات فكلما أعطيتَ وبذلتَ أخْلَفَ الله لك أكثر، قال لي بعض الأصدقاء منذ عِدّة أعوام مضت: “يعني أنا أتَعلّم وأدفع أموالًا في دورات ثم أُعْطي لغيري هذا العِلْم بكل سهولة؟!”، إنّ هذا الشخص يُضيّق واسِعًا لذلك لا يشعر بالخير لأنه لا يُعطي إلا بمقابل، هو لم يتدرّب أو بالأحْرَى لم يُدرّب نفسه على إنفاق شيء مما لديه وما أفاء الله به عليه، ويترتّب على ذلك دوام الشكوى وضيق الحال وضبابية الحياة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والذي يؤيّد خُلُق العطاء ومنه العِلْم كلام كونفوشيوس الحكيم الصيني المعروف حيث قال وهو يُخاطب تلاميذه: “أتظنونَ أنّ لي عِلْمًا؟ ليس لي عِلْم، ولكن كلما سألني رجل ولو كان حقيرًا مَأْفُونًا عن أمر حَدّثْته عنه من بدايته إلى نهايته لا أخفي عنه شيئًا”.

إنّ ذروة الرضى في خلُق العطاء، وإنّ بَذْل العِلْم هي قِمّة العطاء وهنا تظهر الأخلاق والسماحة، فالعِلم لا يصح أن تتركه بين دَفّتَيْ كتاب مُغلق، كما لا يصح أن نحبسه في صدورنا ونموت وهو في داخلنا، ولكنّ العِلم طريقه الطبيعي أن يقوله صاحبه ويبذله لغيره ليتجدّد ويُعاد نشاطه وبالتالي يكون قويًا حيويًا، لأنّ العِلم مثل الجنين في بطن الأم عندما ينضج ويكتمل نموه فمكانه في الخارج بين الناس وإلا ماتت الأم ونَفَقَ الجنين.

صحيح أنّ كل إنسان له طبيعته وسِماته الخاصة، ولكن ينبغي أن يكون هناك عامل مُشْترك بين الجميع  أساسه التعامل بالحسنى والأخلاق وبذل المعروف ونشر النصائح ومساعدة الغير ونجدة الملهوف وبث روح الاحترام بين الأستاذ والطالب، والقائد وجنوده، والمدير والموظفين، وهكذا نبني مجتمعًا تسوده الفضائل وتنقرض وتزول منه الدنايا والرذائل.

اقرأ أيضاً:

القدوة بالأخلاق

اعرف نفسك

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الأخلاق ومتغيرات العصر

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة