مقالات

صدمتي الحضارية الأولى

أول صدمة حضارية حقيقية في حياتي كانت سنة 1997، كانت أول مرة أكتشف أن الأوروبي الأشقر يمكن أن يكون أحمقًا وكسولًا!

تخيلات غير حقيقية

كانت بداية عملي وتدريبي كطبيب جراحة عظام في أوروبا، بالتحديد في مستشفى جينيف الجامعي في سويسرا (Hôpitaux Universitaires de Genève  – HUG)، قبل أن أنتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

قبل أن أذهب إلى العمل هناك كنت محملًا بكلمات أساتذتي وزملائي في جامعة عين شمس عن عظمة الغرب والرجل الأوروبي النشيط الملتزم المتقدم المنتظم في كل شيء، الذي لا يخطئ والذي يخطط لكل شيء بطريقة صحيحة.

الذي يستعمل العلم ولا يجري وراء العواطف الحمقاء مثلنا نحن في بلاد الشرق المتخلفة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كنت أتخيل أن كل سكان أوروبا وأمريكا أذكياء نشيطون منظمون، يعملون بنشاط ويستعملون العلم ويخترعون كل يوم اختراعًا جديدًا! لا يوجد كسلان ولا متخلف ولا مهمل.

الكل يعمل بنشاط والتزام، وأن هذا هو سر تقدم الغرب علينا! تمامًا كما كانت تقدم لنا السينما الأمريكية والكتب العربية عن الرجل الأبيض!

حقيقة الغرب

2001 09 16T120000Z 1272470199 RP2DRIFFKCAA RTRMADP 3 UNITED STATES 1 1024x545 - صدمتي الحضارية الأولى

كنت أحمل كلمات أستاذ الجغرافيا في مدرستي، مدرسة الطبري الثانوية العسكرية، الذي كان يقول لنا أننا متخلفون لأننا شعوب تعيش في الحر! والحر يعني العرق والكسل، بينما أوروبا تعيش في البرد، والبرد يجعل الإنسان أكثر نشاطًا وحيوية، وإنتاجًا!

ذهبت إلى العمل في أوروبا ثم الولايات المتحدة لأكتشف أن شعوب أوروبا والرجل الأبيض كائنات عادية جدًا مثلنا! فيهم الكثيرون من الكسالى والمهملين، فيهم الكثيرون من الحمقى والأغبياء والفوضويين!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اكتشفت أنهم بشر مثلنا فيهم المحترم الذكي، والأحمق الغبي، الكسول، المتكاسل، الغشاش، الحقير، اللص، المنافق، المتسلق، وجدت بشرًا عاديين مثلنا!

لم أجد الإنسان الخارق المنظم الملتزم الذي كان يحكي عنه أساتذتي وزملائي وأفلام وقصص الغرب! اكتشفت أن كل هذا خرافة، بل وخرافة غير منطقية وليس لها أي أساس من الصحة!

تعرف على مختصر قصة الغرب خلال الخمسة قرون الأخيرة

اقرأ أيضاً الغرب البدائي وتقديس إسرائيل

تعرف على خطورة الفكر المادي الغربي

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا تقدم الغرب؟

كل الشعوب فيها الذكي والغبي، والملتزم والمهمل، والأمين والغشاش.

والغرب قوي اليوم، هذه مجرد مرحلة من التاريخ تبدأ ثم تنتهي، مثل ما صعدت الدولة الرومانية ثم انتهت، والدولة العثمانية ثم انتهت، وإمبراطوريات الصين والهند والفراعنة والأشوريين والفرس ،إلخ.

صعد الغرب في مرحلة من التاريخ لعوامل كثيرة يطول شرحها، شرحناها سابقًا، وبعد ذلك يستقر، ثم يتراجع، مثل كل قصص الحضارات.

أشكال من الغزو الفكري الغربي

الغزو الثقافي 600x330 1 - صدمتي الحضارية الأولى

اكتشفت أن الكثير من أفكارنا اليومية التي نعتبرها اليوم طبيعية ومنطقية في الحقيقة غير منطقية، تمت زراعتها في عقولنا خلال المائتي عام الأخيرة؛ قرون الاحتلال والهزيمة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كلمة الحروب الصليبية

مثلًا كلمة الحروب الصليبية، لم يكن اسمها الحروب الصليبية! كان اسمها حروب الفرنجة، نسبة إلى القبائل الهمجية الجرمانية الفرنسية، وتمت تسميتها هذا الاسم “صليبية” في بلاط ملك فرنسا في القرن الثامن عشر لتضخيم حجمها وتعظيمها!

لأنها فعلًا كانت عظيمة في عقول الغرب، أن تنجح بعض القبائل الحمقاء في غزو جزء صغير جدًا وتحقيق بعض الانتصارات المؤقتة على العالم الإسلامي العظيم الجبار في هذا الوقت.

بينما هي في الحقيقة مجموعة هجمات إرهابية حمقاء من بعض المتخلفين على منطقة صغيرة جدًا من سواحل العالم الإسلامي وتم محوها تمامًا، مثل الهجمات الإرهابية التي تحدث اليوم ويعتبرها البعض انتصارات عظيمة!

بينما نحن حتى اليوم نتكلم عنها كأنها ضخمة وعظيمة في حجم الفتوحات الإسلامية مثلًا، أو حجم هجمات المغول مثلًا!

كلمة استعمار

أيضًا كلمة استعمار، والتي تأتي من مصدر: عمر ويعمر، يعني يبني ويعمر، التعمير والعمران، صنعها الاحتلال الأوروبي في القرن التاسع عشر ليصطنع أنه ذهب إلى بلاد إفريقيا وآسيا للتعمير والبناء والاستيطان، بينما هي مجرد احتلال ونهب وسرقة وغزو واستغلال.

كثير من الأفكار والمعاني والكلمات التي دخلت عقولنا اليوم، ونعدها بديهية وحقيقة مسلّم بها ونرددها في حياتنا اليومية، مجرد أفكار مؤقتة تمت زراعتها في عقولنا خلال الـ200 عام الأخيرة من عصور الهزيمة.

يجب أن نتذكر أن 200 عام من عمر الأمم والبشر هي لا شيء، هي لمحة وسط مسار طويل من الآلاف من السنين، وكما تمت زراعة خرافات كثيرة في عقول المسلمين خلال الـ200 سنة الأخيرة، سيتم محوها وبسرعة مع تغير الحال،

وكما قال الله لنا تبارك وتعالى في سورة آل عمران: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”. صدق الله العظيم.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس

مقالات ذات صلة