علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

هل أنت بحال جيد؟ .. الجزء التاسع

نصل هنا إلى جانب آخر من حسن الحال مرتبط أيضًا ببعض الأمور الاجتماعية والثقافية الخارجة عن تصرف الإنسان نفسه، فعلى سبيل المثال نجد دور الإعلام في أي مجتمع وطريقة تداوله للأخبار تؤثر عامة على حسن حال الناس فيه، فكم هي وسائل الإعلام والأعمال الفنية التي تبث روح الأمل والأخوة والقيم الأخلاقية بين الناس؟

كم من المفكرين البارزين يستخدمون في لغة حديثهم مع الناس خطابًا يحسّن حالهم، يقلل الخلافات بينهم، يرشدهم إلى حقائق الأمور؟

كم محطة إخبارية تلتزم الصدق والمهنية الحقيقية في نقل الأحداث والأخبار؟ هل تنقل كل الأحداث؟ هل تنقل الصورة كاملة عما تنشره؟

أسباب حسن حال الإنسان

حفظ الخصوصية الحضارية

حال الإنسانبلا شك أن هذا النمط من التعامل مع الناس يؤثر على حسن حالهم ويزيد الخلافات داخل المجتمع، كذلك نجد أن الثقافة السائدة في المجتمع تؤثر كثيرًا على أحوال الناس سلبًا أو إيجابًا، فكل مجتمع له خصوصيته الحضارية والفكرية ونمط العادات والتقاليد المعترف بها، والتي كثير منها لا يخالف الذوق العام.

المحافظة على هكذا نمط ثقافي من أسباب حسن الحال، أما الانسلاخ من هوية المجتمع وإدخال عادات وتقاليد غريبة عنه يزيد من سوء حال أفراده، وما يحصل حاليًا في أغلب البلدان العربية هو خير شاهد على ذلك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لم تكن بلداننا العربية تمارس –كما تفعل اليوم– الاحتفال بأعياد غربية المسمى والمضمون، أعياد ومناسبات تخلو تمامًا من أي قيمة أخلاقية أو تعاونية، بل إن أغلبها قائم على ممارسات شاذة في الملبس وطريقة التعامل، وتركز بقدر كبير جدًا على الاستهلاك المادي فقط.

مثال ذلك في نهاية أكتوبر من كل عام يحتفل العالم الغربي بالهالوين، وتحديدًا في ليلة 31 أكتوبر، مناسبة ثقافية تحتفل بها دول مثل الولايات المتحدة وأيرلندا وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا، لها عديد من الطقوس وأبرزها التنكر والتزين في الأزياء المخيفة، وأيضًا زيارة المعالم السياحية المسكونة وقراءة القصص المخيفة ومشاهدة أفلام الرعب، ونتيجة للغزو الثقافي تحولت مجتمعاتنا للاحتفال بهكذا مناسبات لمجرد التقليد الأعمى للغرب، هل بهذا يتحسن حال المجتمع والفرد؟

ليس هذا فحسب، بل إن سوء الحال الناتج من الثقافة العامة في المجتمع لا يساعد الفرد على تحسين حاله، وبالتالي لا يساعد في تحسين حال الآخرين.

نفع الناس وقضاء حوائجهم

إن من أسباب حسن الحال أن يبذل الفرد مجهودًا ومساعدات من شأنها المساعدة في تحسين حال الغير، انظر مثلًا السعادة التي يشعر بها الفرد عندما يقدم طعامًا إلى جائع أو يسدد دين محتاج، أو يساعد في إتمام زواج شخص فقير، كم من السعادة نشعر عندما نساعد في تحسين أحوال الغير.

هنا يمكن أن نقول بثقة إن من أسباب تحسين الحال هو تحسين حال الآخرين، وهنا نلاحظ أن سوء حالنا بسبب عدم قدرتنا على مساعدة الآخرين من الأمور الجيدة في حقيقتها وإن كان ظاهرها سوء الحال، فهناك سوء حال جيد، ذلك الذي يجعل الإنسان يتوقف ويسأل ويفكر عن أسباب هذا السوء، ويكون مقدمة لتغيير سلوكياتنا وأخلاقنا، كما أن سوء حالنا النفسي لغياب الأخلاق والقيم فيما بيننا وزيادة معدلات الظلم والاغتراب لهو أمر جيد، يعطينا مؤشرًا أن حزننا على أمر هام، وهو ما يدل على نضج أفكارنا.

كيف يكون حسن الحال مقدمة للتغيير والانطلاق؟

حال الإنسانكل ما تم ذكره في بحثنا حول حسن الحال بعد التدقيق فيه جيدًا نجده أيضًا مقدمة، ولا تستغرب من كلامي هذا، فسوف أفسر ذلك من خلال نموذج يوضح المقصود.

نلاحظ أن من يمارس الرياضة يسعى إلى تحسين حاله البدني، والذي ينعكس بدوره على حاله النفسي، فنجد صحة الشخص الرياضي جيدة وجسمه سليمًا، وغالبًا أخلاقه معتدلة ولا يعاني كثيرًا من المشكلات التي يعاني منها غير الرياضي.

تلك المرحلة السابقة هي ما نعبر عنها بحسن الحال العام، والذي يمكن أن يتوقف عنده البعض، إلا إن تلك الحالة من حسن الحال المبدئية –مع مزيد من التأمل– نجد أنها هي في ذاتها مقدمة للانطلاق نحو آفاق أكثر رحابة، فالرياضي الذي وصل إلى مستوى جيد من السلامة البدنية والنفسية بكل تأكيد يختلف عن غيره، الذي انطلق من تلك المرحلة من السلامة البدنية والنفسية إلى مرحلة تحطيم الأرقام القياسية وتسجيل معدلات عالية من التفوق الرياضي.

حسن الحال سبيل لسعادة وكمال الإنسان

كذلك حسن الحال يمكن أن يكون مقدمة لمراحل متقدمة جدًا من حسن حال مميز، يستطيع من خلال تميزه هذا أن يشعر الإنسان بالجمال الحقيقي للقيم الأخلاقية، وقيمة العلم ليس فقط يستفاد من ممارستها بل قد يصل لمعرفة قيمتها الجمالية الذاتية، ومثال على ذلك أن نجد فتاة من شدة حبها لوالدتها تتمنى وتحلم بأن تكون أمًّا صالحة، وتسعى لحسن اختيار شريك الحياة، والصبر على تكوين أسرة سليمة، وتمتلك من الوعي ما يستلزم تربية الأطفال، كل تلك المقدمات الحسنة من حسن الحال تتوج في النهاية للوصول إلى حلم الأمومة.

يجب علينا من حسن الحال العادي أن نصل إلى ذلك الحسن من الحال المميز، حتى نستطيع أن نكون نحن بما نملك من مقدمات حسن حال الآخرين.

في خاتمة بحثنا يجب أن لا نستهين بسوء الحال وأن نسعى جاهدين للوصول إلى الحسن في حالنا وحال من نحب، وأن نبحث بكل جد وموضوعية وواقعية عن سارق حسن حالنا، ونعدّه عدوًا يجب مواجهته والتغلب عليه بكل ما نستطيع من قوة، وبالاستعانة بالله نستطيع.

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال، الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال، الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال، الجزء السادس من المقال

الجزء السابع من المقال، الجزء الثامن من المقال

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا