ما هو الفن؟!
قد يندهش البعض من هذا السؤال لا لشيء، إلا لأن كلًا منا يتصور أنه لا يحتاج إلى تعريف للفن، إذ إن لديه تصوره الخاص للفن، وهذا التصور قد تشكل عبر خبرات طويلة من تذوقه للفنون المختلفة، فهو يفضل نوعًا معينًا من الموسيقى والغناء، ويحب لونًا معينًا من المسرح والسينما، في الوقت الذي قد يتذوق فيه أو يفهم رسمًا معينًا أو يُقبِل على شراء لوحة معينة، إلخ.
مراحل التذوق الفني
الحقيقة التي أود أن ألفت انتباهك إليها أيها القارئ العزيز، أنّ تذوقك لهذا الفن أو ذاك إنما يرجع إلى طبيعتك الإنسانية المفطورة على التلقي عبر الحواس الخمس أولًا، كما يستلهم صورة الفنون السائدة في عصرك وفي مجتمعك ثانيًا.
هذه الأنماط الفنية المختلفة في وسائطها إنما يبدعها الفنانون المتخصصون في إبداع هذا اللون من الفنون أو ذاك، ونتيجة إبداعاتهم تتلقاها أنت متذوقًا! فإذا كانت إبداعاتهم هادفة وراقية ارتقى تذوقك الفني ورهف إحساسك ورقّت مشاعرك، وإذا كانت قدراتهم الإبداعية ضحلة وغير قادرة على استلهام جوهر الفن ورسالته السامية، جاء نتاجهم ضحلًا وتافهًا وصادمًا للأفهام والأذواق!
من ثم تجتاحك أيها المتلقي مشاعر سلبية تجاه هذه الضحالة في البداية، ثم تضطر تحت الإلحاح وتكرار الاستماع أو المشاهدة أن تتفاعل مع هذه الفنون، التي ليست في واقع الحال فنًا ولا إبداعًا، فيضيع منك رهافة الإحساس ويفسد تذوقك للفنون الراقية وتستسلم لما هو سائد، وتكون النتيجة هي تدني الفنون وتدني تذوقها في آن واحد!
تعريف الفن
لا شك أننا نعيش هذه الحالة من الضحالة الفنية إبداعًا وتذوقًا في الفترة الراهنة، وأصبحنا مجتمعًا غير قادر على الإبداع الفني الحقيقي ولا على تذوق الفنون الراقية! لعل هذه الحالة من الخواء الفني إبداعًا وتذوقًا هي ما يدعونا إلى طرح السؤال عن معنى الفن من جديد، وبعيدًا عن كل النظريات الفلسفية والنقدية المتخصصة في الإجابة عن هذا السؤال، فليسمح لي المتخصصون بالقول إن المعنى الاصطلاحي للفن يستند إلى المعنى اللغوي والاشتقاقي له، إذ يعود المعنيان إلى لفظة يونانية قديمة تعني «المهارة في الصنعة»، فأي ماهر في صنعته حتى لو كانت حرفة يدوية بسيطة نطلق عليه اللفظة وندعوه «فنانًا»!
الأمر في الفنون الجميلة لا يختلف –ولا ينبغي أن يختلف– عن ذلك، والسؤال الآن هو: هل ما نسمعه الآن من موسيقى وأغانٍ وما نشاهده من أفلام ومسلسلات يمكن أن نلمس فيه مهارة في الصنعة بها يرقى الذوق وترهف الإحساسات والمشاعر؟! هل ثمة رسالة فنية جميلة أو قيمة أخلاقية سامية يحملها؟!
واقع رسالة الفن في المجتمع
إن كل من يسمي نفسه فنانًا الآن ينبغي أن يتساءل عن القيمة الجمالية التي يحملها ما يقدمه، فالفن صنعة الجمال وصنيعته، وإذا لم يكن يحمل قيمة جمالية أو أخلاقية ترتقي بحس الإنسان فهو ليس فنًا!
بالطبع الخطأ والخطيئة التي نعيش فيها الآن ليست مسؤولية من يسمون أنفسهم فنانين ومبدعين فقط، بل هي أيضا خطيئة نقاد سوَّغوا لهذا السيل من «التفاهة والهطل» تحت مسميات عديدة، فهذا فن شعبي! وهذه أغاني مهرجانات! وذلك مسلسل كوميدي للإضحاك! وتلك تمثيلية درامية أو فيلم درامي يعبر عن واقع العنف في المجتمع! إلخ.
إننا نحتاج ثورة ثقافية تعيد قيم المجتمع الحقيقية الأصيلة إلى الواجهة، وتعيد للفن قيمته وللإبداع الحقيقي دوره، ونحتاج ثورة إعلامية واعية بالدور الحقيقي للإعلام، فلا نجعل الغرابة والمغتربين هم القدوة، هذا هو طريقنا الفعلي إلى جمهورية جديدة تحتفي بالإبداع الحقيقي والفنون الراقية.
“منقول بإذن من كاتبه”
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا