فن وأدب - مقالاتمقالات

الفوضى الخلاقة في الأدب الروماني

كان بوبليوس أوفيديوس ناسو “Publius Ovidius Naso” (43 ق.م -18م) شاعرًا ملحميًا رومانيًا ذا أثر وتأثير واسع في الحياة الرومانية القديمة، احترم ذاته وفنه وشاعريته، فحصل على خلود الذكرى. تجلى عشقه واحترامه لفنه فيما كتبه من أشعار، تتحدث عن احترامه للفن “ars” في مؤلفه الأحزان “Tristia”، رغم ما كان يشعر به –في أثناء كتابته لهذا الديوان– من هوان وأحزان وآلام، لكن احترامه لذاته شاعرًا، استوجب احترام الآخرين لشاعريته ومكانته.

عداوة الإمبراطور أغسطس مع أوفيد

كتب أوفيديوس كثيرًا من المؤلفات الشعرية، التي كان بعض منها مناهضًا لإصلاحات الإمبراطور الروماني أوكتافيوس، والمشهور باسم الإمبراطور أغسطس. يُخاطب أوفيديوس –في كثير من مؤلفاته– شريحة الشباب الرومان، الذين جذبهم لمطالعة أعماله، بما كان يعالجه من موضوعات تمس عواطفهم ومشاعرهم الشبابية.

لم يفطن أوفيديوس بمعالجته لمثل هذه الموضوعات أنه يكسب عداوة الإمبراطور أغسطس وعدم رضاه، خاصة أن أغسطس كان يطمح في الانتقال بروما والشعب الروماني، من الفوضى إلى الاستقرار والنظام، بعد حروب أنهكت الرومان، وقضت على أملهم في حياة هادئة مستقرة.

نفي أوفيد خارج البلاد

3024px Ovid by an anonymous sculptor 768x1024 - الفوضى الخلاقة في الأدب الرومانيكانت كتابات أوفيديوس تسير عكس رغبة وطموحات أغسطس، وتقف حائلًا دون تحقيق تلك الرغبة، مما أحدث ضغينة بينه وبين أغسطس، هذا فضلًا عن ارتكابه الخطيئة مع حفيدة الإمبراطور، ما أوغر صدر أغسطس نحوه، وتوقيع عقوبة النفي خارج البلاد في حقه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في المنفي، شعر أوفيديوس بكثير من الذل والهوان، فكتب كثيرًا من الرسائل إلى الإمبراطور، وصف فيها بؤسه، إلا أن الأخير لم يستجب، وعن طريق الوسطاء، حاول أوفيديوس التعبير عن اعتذاره عما بدر منه في حق الشباب الروماني، وفي حق عائلة الإمبراطور، لكن دون جدوى. استجدى أوفيديوس صفح الإمبراطور، وصرَّح له، بالرسائل والوسطاء، عن رغبته في أن يموت في بلده وليس في منفاه، واصفًا له بؤسه طالبًا رأفته، لكنه لم يستجب له، حتى مات بالفعل في المنفي، عام 18 م.

أهم أعمال ببليوس أوفيديوس ناسو

رغم كل ما ذكر عن رذائل أوفيديوس ودناياه، فعند مطالعة أعماله نجد أن بعضًا منها كان يحوي تعاليم أخلاقية دينية سامية رفيعة، تنم عن عقل متقد وذكاء حاد وموهبة شعرية غير مسبوقة. كانت ملحمته “مسخ الكائنات”، والمعروفة في اللغة اللاتينية باسم الميتامورفوسيس “Metamorphoses”، التي انتهى من كتابتها عام 8 م، خير مثال وتعبير عن هذا الذكاء الفني الأدبي عالي المستوى.

تتكون ملحمة الميتامورفوسيس من 15 كتابًا، وكتبت في 12000 بيت شعري، وكان موضوع التحول والانتقال من الفوضى إلى النظام والسلام الرابط بين تلك الكتب، وما ورد فيها من قصص.

بدأ أوفيديوس ملحمته التعليمية تلك، بالحديث عن أول فوضى، ألا وهي الفوضى الكونية، ثم الانشطار والتحول إلى النظام الكوني؛ السماء في الأعلى، ثم طبقة الأثير والهواء، ويليهما الأرض في الأسفل. ليس هذا فقط، لكنه يملأ ملحمته بكثير من القصص التي تتحدث عن التحول والانتقال من حالة إلى أخرى نتيجة تقوى أو عصيان في حق الآلهة.

تحولات ببليوس أوفيديوس ناسو

450px Latin Poet Ovid - الفوضى الخلاقة في الأدب الروماني

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقد استطاع أوفيديوس بعبقرية فنية فذة أن يكون منافسًا قويًا للشاعر الروماني الوطني بوبليوس فيرجيليوس مارو، والذي لبى رغبة أغسطس وأمنيته، فكتب ملحمة تاريخية تتحدث عن تاريخ الشعب الروماني وأصله، وسيرًا على هذا الهَدي، وتحقيقًا لرغبة أغسطس وأُمنيته، تناول أوفيديوس في ملحمته موضوع التحول والانتقال من حالة إلى أخرى، نتيجة لعصيان الآلهة أو طاعتهم.

أورد أوفيديوس في ملحمته عديدًا من القصص الأسطورية، التي كان أبطالها شخصيات أسطورية، كثير منها كافر أو عاص للآلهة، من ثم استحقت العقاب على آثامها، وتحويلها إلى شكل حيواني أو نباتي أو فلكي.

كانت عبقرية أوفيديوس الأدبية الشعرية الفذة وراء شهرته، وذيوع صيته، بسبب قدرته على الصياغة السردية الأدبية الجذابة والوصف الحي غير المسبوق، الذي منح الأساطير والقصص الأسطورية خلودًا وتأثيرًا على الدوام. كما حصل هو نفسه على الخلود وحُسن السيرة والذكرى، وذلك لإبداعه موضوع التحول والانتقال من الفوضى إلى الاستقرار والنظام والسلام الأغسطسي فيما أورده بملحمته الميتامورفوسيس “التحولات أو مسخ الكائنات”.

مقالات ذات صلة: 

أثر الغزو الثقافي اليوناني على المجتمع الروماني

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حرفة الأدب

الدراما والحياة الإنسانية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د صلاح السيد عبد الحي

أستاذ دكتور بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الاداب جامعة سوهاج. ومدير مركز حضارات البحر المتوسط.

مقالات ذات صلة