مقالات

عصر البلاستيك

الملك ميداس واللمسة الذهبية

زمان أوي، كان في أسطورة إغريقية قديمة كانت بتتكلم عن ملك اسمه ميداس Midas، طلب من الآلهة أمنية وحققوها له، الأمنية دي كانت هي إنه يحول كل شيء يلمسه إلى ذهب، وفعلًا ده حصل، وبقى يحول كل حاجة بيلمسها إلى ذهب خالص.

في الأول الملك فرح جدًا وحس إنه فعلًا بقى أغنى رجل على الأرض، لحد ما أدرك الأبعاد الحقيقية للكارثة، تدريجيًا كل شيء حواليه بدأ يتحول إلى ذهب جامد، بلا حياة، حتى بنته لما حضنها، تحولت بين إيديه إلى تمثال ذهب، وفرغت منها الروح، وبقت شاخصة البصر في الأفق كما الموجودات من حولها بالضبط، لا تختلف عن الجماد في شيء.

الأسطورة دي تجسدت بالفعل في فيلم أنيميشن أصلي لديزني قديم جدًا صدر سنة 1935، كان اسمه اللمسة الذهبية أو The Golden Touch، واللي يعتبر واحد من الأعمال الجميلة لديزني اللي مش كتير شافوها للأسف.

طب إيه علاقة كل ده بموضوع المقال؟! العلاقة مهمة ووثيقة جدًا، كوباية الشاي الحلوة في إيدك، ومتنساش النعناع، وتعالى هحكيلك إزاي بالضبط..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اكتشاف البلاستيك

زمان أوي، من تقريبا 100 سنة كده، اكتشاف البلاستيك كان له أثر كبير جدًا على الحضارة البشرية، أثر غيّر حياتنا تمامًا، بسبب رخصه وفعاليته وكونه مادة نضيفة ومعقمة، قدر يغير اعتمادنا الصناعي تمامًا، ويخليه معتمد عليه بالكامل تقريبًا،

بس للأسف، المعجزة التكنولوجية اللي اسمها البلاستيك دي فقدنا السيطرة عليها بسرعة، وحاليًا هي تحولت إلى خطر حقيقي بيهدد البيئة والكائنات الحية الأرضية، وخصوصًا الجنس البشري على المدى البعيد.

تحولت إلى حاجة شبيهة بلعنة الملك ميداس، كل حاجة بيلمسها البلاستيك بتتحول بعدها إلى شيء إحنا مش عايزينه ومش عارفين نتخلص منه!

طب إزاي؟! عشان نفهم ده كويس، خلينا الأول نفهم يعني إيه بلاستيك..

ما هو البلاستيك؟

plastic plates - عصر البلاستيك

اضغط على الاعلان لو أعجبك

البلاستيك في الواقع بيتكون من حاجة اسمها البوليمرات Polymers، ودي بتبقى عبارة عن سلاسل طويلة ومتكررة من المجموعات الجزيئيةMolecule Groups، والحقيقة إن المجموعات أو البوليمرات دي موجودة في كل مكان في الطبيعة، في جدران الخلايا، في الشعر، في الحرير، في الحمض النووي DNA، في حاجات أكتر من قدرتنا على الحصر،

لكن البلاستيك بقى بيكون عبارة عن بوليمرات إحنا اللي بنصنعها، يعني بوليمرات صناعية أو Synthetic Polymers، بتتكون من تحليل النفط الخام أو الـ Crude Oil لمكوناته الأساسية، وبعدين إعادة تجميعها وترتيبها وتشكيلها، بحيث إنها تكون البوليمرات الصناعية دي، واللي في الآخر بتدينا البلاستيك بشكله المعروف.

في ماذا يستخدم البلاستيك؟

ساعتها بقى إحنا بنقدر نلعب بيه زي ما إحنا عايزين، بسبب خاماته شديدة الرخص، وخفة وزنه ومرونته، بنقدر نشكله في أي شكل إحنا عايزينه، وبنعمله بأعداد مهولة وبأقل مجهود، ومن غير وقت يذكر، الأزايز البلاستيك، أكياس النايلون، الأغلفة البلاستيكية في المطاعم،

الباكليت Bakelite اللي بدأ استعماله في الأجزاء الميكانيكية، الـ PVC اللي بدأنا استعماله في المواسير والتروس الكهربية، أو العلب البلاستيكية، الأكريليك Acrylic اللي بيتم استعماله في تصنيع زجاج صناعي مضاد للكسر والخدش، كتير جدًا من المواد اللي داخله في الصناعات اليومية بتاعتنا حاليًا مكونة من المادة المعجزة دي.

اقرأ أيضاً:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النفايات الإلكترونية

سباعية من نفايات الفكر

احذروا إنه يذوب

خطورة البلاستيك

بس للأسف البلاستيك من فترة طويلة أوي بالتزامن مع فايدته العظيمة لتسهيل الصناعات في العصر الحديث، فهو بدأ كمان يسبب نفايات كتير جدًا أكبر من قدرتنا على التعامل معها،

سواء بقى الأكواب البلاستيكية بتاعت المية، أو الأكياس البلاستيكية، أو حتى الأغلفة البلاستيكية، أو غيرها كتير جدًا من النفايات اللي منقدرش نحصرها هنا في سطور أو كلمات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مسألتش نفسك أبدًا هي الحاجات دي كلها بتروح فين؟ يعني إحنا بنغمض عينينا ونفتحها ونفتكر إن البلاستيك خلاص اختفى واترمى في مكان بعيد محدش يعرفه ولا هيشوفه تاني، بس عمرك سألت نفسك هو بيروح فين؟ وإيه اللي بيحصله؟!

المشكلة للأسف إن بسبب كون البوليمرات الصناعية دي قوية جدًا، ففترة تحللها بتستغرق فترات أسطورية، ما بين 500 إلى 1000 سنة! يعني البلاستيك بيتحلل في فترة أكبر من عشرات الأضعاف لأعمارنا الطبيعية، وممكن أكتر كمان،

وإحنا بغباءنا قررنا –بشكلٍ ما– إننا نستعمل مادة شبه دائمة زي دي، في إننا نعمل منها الحاجات اللي المفروض تكون للاستعمال الواحد فقط، وتترمي بعدها! ودي كارثة كبيرة فعلًا الناس مش مدركين حجمها.

معدل إنتاج البلاستيك عالميا

خليني أفهمك بالراحة، في الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، البلاستيك والأغلفة البلاستيكية بتكون أكتر من نحو 1\3 إجمالي النفايات اللي بتنتجها، تخيل إنت العدد!

لو هنتكلم على الموضوع ده عالميًا، فيكفي إني أقولك إن عدد أطنان النفايات اللي تم إنتاجها من البلاستيك، من ساعة بداية استعماله، هو ما يقرب من 8.3 مليار طن متري Metric Tons من النفايات!

منهم 335 مليون طن في 2016 لوحدها، منها 6.3 بقوا نفايات غير قابلة لإعادة التدوير والاستعمال Recycling، لو حبيت تتخيل الحجم، ممكن أقولك إننا لو تخيلنا العدد ده كله هو عبارة عن مكعب واحد من البلاستيك، فهو هيكون مكعب ارتفاعه 1.9 كيلومتر لفوق، و6.9 كيلومتر بالعرض!

طب سؤال، هو إحنا بنعمل إيه بكل النفايات دي؟!

كيف يلوث البلاستيك البيئة؟

البحر الأبيض المتوسط - عصر البلاستيكأكيد مش بنسيبها مرمية بالشكل ده، ولازم يكون في ليها استخدام بشكلٍ ما، الحقيقة يا صديقي إن 9% من النفايات البلاستيكية دي بيتم إعادة تصنيعه وبيبقى recycled، و12% بيتحرق وبيلوث الجو، والباقي كله اللي نسبته تقريبا 79% بيتم إلقاؤه في المحيط، بمعدل تقريبا 8 مليون طن سنويًا،

ويكفي إني أقولك إن حجم البلاستيك الموجود في المحيط متوقع إنه هيبقى أتقل من حجم الثروة السمكية الموجودة في محيطات وبحار الأرض بالكامل، بحلول سنة 2050، وخلي بالك إن كل ده مش بيتحلل! يعني هيفضل موجود لحد سنة 3000!

طب إيه بقى خطورة ده علينا كبشر؟ أنا أقولك..

خطر النفايات البلاستيكية على الحياة البحرية والبشرية

الثروة السمكية دي كلها اللي في البحار والمحيطات، بتاكل البلاستيك ده غصب عنها، لأن بفعل الشمس، في أجزاء صغيرة من البلاستيك ده بتنفصل عنه، وبتكون حاجة إسمها الميكرو بلاستيك Micro plastics، دي بتبقى أجزاء صغيرة جدًا ومجهرية أشبه بذرات الرمال كده،

الذرات دي بقى بتاكلها الثروة السمكية، وبعدين تاكلها الأسماك الأكبر منها، وهكذا، لحد ما بتوصل في الآخر لطبقنا إحنا، ولما بناكلها، فإحنا يعتبر بناكل بلاستيك، وضرر ده لا يوصف على الصحة البشرية،

مثلًا المادة الكيميائية BP اللي بيتم استعمالها على البلاستيك عشان تخليه شفاف، فيه دراسات بتبين إن ليها تأثير كارثي على النظام الهرموني البشري، الـ DEHP اللي بيخلي البلاستيك مرن بيسبب الكانسر Cancer، وغيره كتير أوي أوي.

ده غير كمان ملايين الأسماك اللي بتموت في البحر كل يوم، وبتتحلل وبتأذي أسماك تانية، وبتهدد أنواع كاملة بالانقراض، زي الحيتان مثلًا اللي بتاكل عشرات الكيلوات من الأكياس البلاستيكية والعلب كل يوم، وهي بفطرتها الطبيعية البريئة، فاكراه سمك صغير.

دراسات تؤكد خطورة النفايات البلاستيكية على البشر

حاليًا وبناءًا على دراسات اتعملت عالميًا، 8 من كل 10 أطفال بشريين، وكل البشر البالغين في العالم تقريبًا عندهم حاجة اسمها الـ Phthalates في جسمهم، منتج بلاستيكي شائع، 93% من البشر عندهم BPA في البول بتاعهم، وده مادة تانية.

آلاف الأبحاث تم عملها على الموضوع ده، وكلها بتنذر بكارثة جاية، بس إحنا كعادتنا، كائنات مغرورة، بترفض تسمع الكلام دايمًا، وبنعمل اللي على مزاجنا، واللي على مزاجنا ده في يومٍ ما، هيخلي الكوكب كله يموت، وإحنا اللي هنحاسب على المشاريب للأسف، وساعتها مش هيكون في مهرب من الموضوع لإنه هيبقى أمر واقع.

حكيتلك في الأول عن أسطورة الملك ميداس اللي كل حاجة بيلمسها بتتحول إلى دهب، والحقيقة إن بالمثل، كل حاجة بيلمسها البشر عمومًا بتتحول مع الوقت إلى لعنة، سواء عليهم أو على الكائنات التانية اللي ربنا ابتلاها بإنها تسكن الكوكب معانا،

واللعنة دي هتكبر أكتر في كل يوم لو فضلنا مستمرين على اللي إحنا فيه، وساعتها مش هيكون في حد نلومه إلا نفسنا في المستقبل القريب جدًا، وهنحتاج معجزة حقيقية عشان نقدر نصلح اللي أفسدناه ده، معجزة في زمن انتهت فيه المعجزات.

مصادر:

https://www.nationalgeographic.com/environment/habitats/plastic-pollution/

https://ourworldindata.org/plastic-pollution

https://www.britannica.com/science/plastic-pollution

https://solarimpulse.com/plastic-pollution-solutions

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست

مقالات ذات صلة