النّصبُ اللذيذ
الإنسان السوي الطبيعي يود أن تكون له مكانة مرموقة، ومرتاحًا ماديًا أو على الأقل مستور الحال لا يمد يده لغيره أو يحتاج إليه.
ومن هذا المنطلق يسعى حثيثًا لتحسين حاله وتدبير أمره وزيادة دَخْله، فقد يعمل في عمل يجلب عليه دخلًا لا بأس به، أو يعمل عملًا إضافيًا لكي يستطيع كفاية بيته وأولاده ثم متطلباته في نهاية المطاف.
ظاهرة النصب والاحتيال
وقد شاعت ظاهرة النصْب في الآونة الأخيرة بدعوى تشغيل الأموال لدرّ الربح والدخل الثابت كل شهر أو حسب الاتفاق بين الطرفيْن لتأمين الحياة.
ظهر ذلك في بعض المدن والقرى مع الشخصيات الموثوق بهم وفي أمانتهم ونزاهتهم التي لا تقبل الجدل ولسانهم الساحر المعسول الذي لا يُخطىء في الكلام والتزيين، وفرْش الأرض بالورود والحرير.
الشخصية النصابة
بدأ الموضوع ببعض الناس على سبيل التجريب، فقامت الشخصية النصابة بتمثيل الدور جيدًا وبكل إتقان وباستخدام أساليب المَكْر والدهاء والحِيَل واستدرار العطف، وذلك بإعطاء فائدة شهرية على اعتبار أنّ المبلغ دارَ في العمل وهذه الأرباح حلال.. حلال!
تَشَجّعَ أصحاب الأموال المساكين وأعطوا بزيادة لأنهم قبضوا على مدار عِدّة أشهر فائتة الدخل الثابت من الأرباح، فأغوى هؤلاء الناس غيرهم من السُّذَّج والمساكين والذين يطمحون في تشغيل أموالهم والعيش الرغيد، وأعطاهم الميسورون الحال كذلك، حتى بعض النساء اللاتي يُسافر أزواجهن، وقد يكون بعدم عِلم الأزواج.
كارثة وطامة كُبرى، لقد تطوّر الأمر حتى باعَ بعض الناس بيوتهم وذهب نسائهم ليعطوا ويُسلّموا النصاب الأموال بكل أريحية وأمان، بغرض زيادة الأرباح ومن ثم الكسْب السريع.
اقرأ أيضاً:
ضحايا النصابون
ومن المَشَاهِد المأساوية ما يلفت النظر إلى انتشار خبر المساكين الذين يطلبون الإحسان بمد أيديهم، وبكل تذلل يصل إلى حَد الخضوع والخشوع لينال الواحد منهم حَسَنَة،
ومن السهل اليسير أن يردّ الجنيه أو الورقة فئة الخمسة جنيهات أو العشرة ويطلب المزيد سواء بالتدلل أو بسيف الحياء بلا خجل بذريعة الحاجة والفقر، هؤلاء الناس طارَ خَبَرهم وانتشر عنهم بشكل واسع إعطاء الواحد منهم للنصابين ثلاثمائة ألف جنيه مع تفاوتهم بالنقص أو الزيادة.
لقد استطاع بعض هؤلاء النّصابين الفرار إلى خارج البلاد بعد استيلائهم على أموال الناس وأكلها بالباطل، وبعضهم قَبَضَت عليه الشرطة بعد تحرير المحاضِر والعجز عن السداد، إنّ كل إنسان له الحق في أن يعيش حياة هنيئة رغيدة جميلة
ولكن التفكير الإيجابي مطلوب، وفي المثل الشعبي”لا تضع كل البيض في سلّة واحدة” فالعقل زينة، ولهذا نُنادي دائمًا بضرورة تعليم التفكير النقدي، وعدم التسليم بسهولة لأشخاص أو منظمات أو جهات غير موثوقة.
كيف نتجنب عمليات النصب والاحتيال؟
إنه حقًا أمر مُحزِن، فإذا عجز الإنسان عن تدبير وإدارة بيته فكيف يستطيع إدارة وتشغيل ملايين الجنيهات وهو لم يتعلّم فن الإدارة؟ فضلًا عن عدم السماع عنه.
ولهذا عندما سُئل الحكيم كونفوشيوس عن السياسة أخبرنا بأنّ إدارة البيت والاقتصاد فيه هي أول خطوة من خطوات السياسة، فإذا نجح فيها الفرد فعندئذ فقط يمكنه أن يشغَل الوظائف ويدير الأعمال.
إنّ الأموال لا تأتي إلا بشق الأنفس والجهد الجهيد، فينبغي على العاقل أن لا يُفرّط فيها ويُسلمها في أي مكان أو لأي شخص إلا بعد تفكير عميق وأخْذ الرأي الصائب الرشيد، حتى لا يندم ويعض الأنامل من الحَسْرَة.
لا شك أنّ الحياة مملوءة بالمُنغّصات والمُكَدّرات والضغوطات، نعم، ولكن التعامل معها لا بد أن يكون بالهدوء والتؤدة وحسن التفكير وأخْذ آراء الوالدين والأكبر سِنًا والأكثر خِبْرَة، فهذا خير من أن نقع فريسة للنصّابين وفي شَرَك المُحتالين الذين يُفكّرون تفكيرًا سلبيًا للأفراد والمجتمعات.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
**************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا