الكذب والدونية
هذا مشهد يعرفه كل الأطباء في عالمنا العربي .. تحضر سيدة طيبة في أواخر الخمسينيات من العمر إلى العيادة مصحوبة بأولادها، تشكو لك من الألم الرهيب والعذاب الذي تعاني منه منذ سنوات، وأنها جربت كل الأدوية والعلاجات، ثم يفحص الطبيب المريضة، وبعد تقييم شدة شكواها وتاريخها المرضي، يقول الطبيب: “بما أن الألم شديد، ولم تتحسني على العلاجات الأخرى، إذًا لا بد من الجراحة، هنا يتغير كلام المريضة تماما!
تقول أن الألم محتمل، وليس مستمرا وأنها لم تجرب كل العلاجات، ويمكن أن تجرب العلاجات غير الجراحية مرة أخرى، وأن الألم لم يظهر إلا منذ بضعة أسابيع!
هذا المشهد يقول لنا بكل بساطة أن المريضة تكذب، سواء تكذب على نفسها أو أولادها أو الطبيب، والجميع يعرف ذلك، لكن الجميع يقرر أن يكمل في التمثيلية!
مثال آخر.. صديق تأخر عن موعده، أول كلمة يقولها هي: “أصل الطريق زحمة!”، رغم أنه يعرف أنه يكذب، وصديقه يعرف أنه يكذب، والجميع يعرف ذلك، لكن الجميع يقرر أن يكمل في التمثيلية!
لماذا ينتشر الكذب؟
لماذا ينتشر الكذب في المجتمعات المتخلفة والمقهورة والفقيرة؟ هذا سؤال يشغل بال الكثيرين في بلادنا، بخاصة المحترمين، خاصة أن الكذب في هذه الحالات لا يفيد أحدا، بل يضر! ما الفائدة التي تحصل عليها المريضة حين تكذب على الطبيب؟ بل ربما تتعرض للضرر بسبب اتخاذ قرار خاطئ، لأنه مبني على معلومات خاطئة، فتضر صحتها بسبب الكذب!
التفسير هو أن هذا النوع من الكذب المنتشر في المجتمعات المتخلفة والمقهورة هو نتيجة عدم النضج، طفولة متأخرة، يتعود الطفل أن يكذب على أبيه خوفا من العقاب، أو خوفا من التوبيخ، أو خوفا من الإحراج، أو خوفا من تحمل المسؤولية، أو خوفا من عمل أو مجهود يريد أن يتهرب منه، ثم يكبر ويكذب على المدرس، والمدير، وولي الأمر، والشرطي.. و.. و.. هو شعور بالضعف والدونية أمام من تكذب عليه، فالضعيف يكذب على القوي خوفا منه.
لكن بالتدريج يتحول الكذب إلى أسلوب حياة، طريقة طبيعية للتهرب من ما لا يعجبك أو ما تخاف من مواجهته، أصبح الكذب وسيلة كل مراهق للتهرب من المواجهة! وبالتدريج يكبر الناس في العمر، لكن تستمر حالة المراهقة وعدم النضج معهم، تجد إنسانا كبيرا في السن، لكن لا يزال يخاف المواجهة ويتهرب بالكذب.
الكذب في المجتمعات المتخلفة هو علامة على الشعور بالدونية والضآلة وقلة القيمة، هو عدم احترام للآخرين واستهتار بذكائهم مع عدم ثقة بالنفس، هو نتيجة طبيعية لأجيال تتربى على الطاعة والخوف من ولي الأمر، فلا تجد غير الكذب مهربا، الكذب في كل شيء، الكذب المزمن في المجتمعات المتخلفة هو نتيجة طبيعية لثقافة الكبت والخوف، يتم زراعتها من الولادة حتى الممات.
ربوا أولادكم على احترام الذات والصدق، حتى لو كان صدقا مؤلما أو لا يعجبكم.
اقرأ أيضاً:
هل تقلق من التلاعب بك ببعض المصطلحات؟
إن أردت كذبًا، فالساحة مملوءة يا صديقي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا