العدَّاءة الأمريكية «ويلما رودلف»: رغم كل الصعاب!

«أخبرني الطبيب أنني لن أستطيع المشي مُجددًا، لكن أمي قالت إنني سأستطيع، وقد صدَّقت أمي»، العداءة الأمريكية «ويلما رودلف» (1940 – 1994).
ارتفاع درجة الحرارة أصاب ويلما رودلف بالشلل
في الرابعة من عمرها أصيبت الطفلة الأمريكية «ويلما رودلف» Wilma Rudolph بارتفاع في درجة الحرارة أدى بها إلى شللٍ نصفي، مما اضطرها إلى ارتداء دعامةٍ حديدية على القدم اليسرى حتى سن التاسعة.
لكن هذه الدعامة الحديدية تسببت في حدوث التواء بالرجل جعلها عاجزة عن الحركة بشكل طبيعي، وازدادت حالتها النفسية سوءًا حين أكد الأطباء لأمها أنها لن تستطيع المشي مرة أخرى، وحتى إن مشت، فلن تمشي بالطريقة الطبيعية التي كانت عليها في الماضي.
ولكن أم «ويلما» لم تستسلم لتلك التأكيدات، واستمرت في اصطحاب ابنتها إلى إحدى المستشفيات لتلقى العلاج. وظلت «ويلما» تسأل والدتها مرارًا: «هل سأستطيع المشي مجددًا؟»، والأم تجيبها بكل ثقة: «نعم ستستطيعين»!
بالعزيمة والتدريب والعلاج استطاعت ويلما رودلف الوقوف من جديد
وذات يوم، علمت «ويلما» أن مؤسسة تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة تقيم أولمبيادًا خاصًا بتلك الفئة بعد التدريب. وفي اللقاء الأول مع المؤسسة جلست «ويلما» إلى جوار سيدة من أبطال رياضة الجري سابقًا وقالت لها: «إني معجبة جدًا بكِ، وأتمنى أن أصبح مثلك»،
فقالت لها السيدة: «بل يمكن أن تكوني أفضل مني من خلال إيمانك الداخلي، إيمانك بالله»، فرحت «ويلما» وقالت للسيدة أنها على استعداد لأن تبدأ من الآن، فقالت لها السيدة: «سنبدأ بالتدريج، بتغيير القناعات الذهنية أولًا، ثم الالتزام بالتدريبات البدنية»،
وبدأت «ويلما» التدريبات والعلاج الطبيعي الذي استمر لعدة أعوام، وكانت المفاجأة للجميع حين وقفت على قدميها بدون الحديد وبدأت تتحرك وتمشي شيئًا فشيئًا، إلى أن أصبحت أسرع فتاة في العالم، محققة ثلاث ميداليات ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بروما سنة 1960.
حياة ويلما رودلف تحفز العديد من الأطفال
نُشرت السيرة الذاتية لـ«ويلما رودلف» سنة 1977 تحت عنوان «ويلما: قصة ويلما رودولف» Wilma: The Story of Wilma Rudolph، وكانت بمثابة حجر الأساس لعدد من المنشورات والأفلام السينمائية.
وفي العدد رقم (29) من مجلة «سبورتس إليسترايتد» الأمريكية Sports Illustrated (ديسمبر 1999) احتلت «رودولف» المرتبة الأولى في قائمة أفضل خمسين شخصية رياضية في القرن العشرين من ولاية «تينيسي» Tennessee. وفي الرابع عشر من يوليو سنة 2004، أصدرت دائرة البريد الأمريكية طابع بريد يحمل صورتها، وهو الخامس في سلسلة طوابع البريد للمتميزين الأمريكيين.
وبحلول سنة 2014، كان قد نُشر ما لا يقل عن واحدٍ وعشرين كتابًا عن حياة «رودولف» لتحفيز الأطفال من سن ما قبل المدرسة إلى طلاب المدارس الثانوية.
العبرة من قصة ويلما رودلف
العبرة هنا أن إعاقتنا الحضارية لا علاج لها، ولا سبيل إلى تجاوزها، إلا بتغيير قناعاتنا الذهنية أولًا، تلك القناعات التي ترسخت (وما زالت تزداد رسوخًا) بتأثير من إعلامنا، نظامنا التعليمي، مؤسساتنا الثقافية، صراعاتنا السياسية، أطماعنا الاجتماعية، وبالترويج لفقرنا وكثافتنا السكانية من جهة، ولإنجازاتنا الزائفة من جهة أخرى، بصناعة القهر في محاريب أصنامنا، وضرب الدفوف في ساحات أوهامنا!
مسؤولية تغيير القناعات الذهنية تقع بالدرجة الأولى على الإعلام
مسؤولية تغيير القناعات الذهنية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الإعلام، بشرط أن يكون مدعومًا بتعليمٍ جيد، ومؤسسات ثقافية فاعلة، وإرادة سياسية مُفعمة بالرغبة الصادقة في اللحاق بركب الحضارة، لكن لمحة عابرة لإعلامنا العربي من شأنها أن تُبدد الآمال والأحلام المشروعة!
لا أدري مثلًا من المسؤول عن استمرار بث إعلانات الدجل والشعوذة على الفضائيات العربية، من قبيل: «الشيخ الوحيد الصادق»، «الشيخ الذي أثبت نجاحًا منقطع النظير على امتداد دول العالم»، «أخيرًا وصل الشيخ المغربي فلان الفلاني»،
«جلب الحبيب ورد المطلقة وعلاج المربوط وفك السحر الأحمر والأسود»، إلخ؟ لا أدري أيضًا الحكمة في كون الشيخ الضليع مغربيًا في الغالب رغم ندرة هذه الإعلانات على القنوات المغربية؟!
إن استمرار هذه الإعلانات وكثافتها (التي لا تضاهيها كثافة سوى إعلانات المنشطات الجنسية) يؤكد جسامة أرباحها، وجسامة التردي الذي أصاب الوعي العربي، وجسامة السقوط الذي أصاب ضمير المسؤول عن بثها، وقبل ذلك كله جسامة اليأس والخلل النفسي الذي أصاب العرب في مقتل!
الباب السحري للسقوط السريع
في دراسة أعدها المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية منذ سنوات، تبين أن نحو 50% من النساء المصريات يعتقدن بقدرة الدجالين على حل مشاكلهن، وينفق المصريون 10% من أموالهم على هذه الظاهرة، كما أشار المركز القومي للبحوث النفسية إلى أن 63% من المصريين يؤمنون بالخزعبلات، منهم 11% من الفنانين والمثقفين.
وأكدت الدراسة أيضًا أن الإيمان بالسحر بين الإناث بلغ 39% في المدينة و41% في الريف، وبين الذكور 24% في المدينة. وأكدت الدراسة أن 53% في الريف من الطبقة المتوسطة والفقيرة يؤمنون بأعمال السحر!
إنه الباب السحري للسقوط السريع والصارخ، أو هكذا يُريدك صانعو الوهم: أن تؤمن باللا معقول، أن تحمل أوزارهم وتتغني وتزهو بها، أن ترى بأعينهم العمياء، وتسمع بآذانهم الصماء، وتحترق بنار سطحيتهم، أن تموت حكايات القهر بصخب التفاهات التي يعيشونها ويبثونها، أن يكون «اللا معنى»،
على حد تعبير «ميلان كونديرا»، هو جوهر وجودك بينهم، إنه موجود حتى حيث لا أحد يريد أن يراه، لا تتعرف عليه، ولا تخلع عليه المعنى، بل تعلق به، وتعلم كيف تقع في حبه، وكيف تمارسه وتعيشه! صديقي: تنفس هذه التفاهة التي يُجسدونها، إنها الآن، ولديهم، مفتاح الحكمة، مفتاح المزاج الجيد والرضا!
اقرأ أيضاً:
ثقافة التغيير بين النظرة السطحية والنظرة العقلانية
بالعزيمة والإصرار تفعل المستحيل
كلاب السيدة وبائع اللبن والإعلام بينهما
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا