العافين عن الناس
أمس تعرفت زوجتي على سيدة فاضلة في أثناء الانتظار في أحد الأماكن العامة، كعادة أغلب النساء في أثناء الانتظار، التعارف على بعضهن وتبادل أطراف الحديث والقصص، وتحكي لي زوجتي قصة هذه السيدة.
تحكي السيدة أنها تزوجت منذ نحو 10 سنوات، ورزقها الله بطفل جميل، لكن مشكلة هذا الطفل أنه كان مصابًا بمرض في المخ يشبه الصرع، يفقد الوعي فجأة حتى يعتقد الناس أنه مات! لدرجة أن الحضانات والمدارس رفضوا قبول الولد لتفادي المسؤولية الكبيرة والفزع. ذهبت الأم بابنها إلى كثير من أطباء الأعصاب وغيرهم، لكن بلا نتيجة.
منذ قرابة أربع سنوات، كانت السيدة وابنها ووالدها المسن يعبرون الشارع في القاهرة، وجاءت سيارة مسرعة وضربتهم هم الثلاثة في حادث كبير! الجد والأم والحفيد، أصيبوا في حادث سيارة!
فقدت السيدة الوعي ولم تستفق إلا حين وصلت إلى المستشفى. أصيبت السيدة بعدة كسور، كذلك أبوها الرجل المسن، لكنها في هذا كله تبحث عن ابنها. وجدت ابنها سليمًا وليس فيه غير بعض الخدوش في رأسه وتمزقت ملابسه من الاحتكاك بأسفلت الطريق!
يقف معهم الرجل السائق المتسبب في الحادث، تحيط به الشرطة لتعمل محضرًا، وأُخذ السائق إلى قسم الشرطة للحبس على ذمة التحقيق والتحفظ على السيارة.
رجل محترم يقر بأنه مخطئ، ومستعد للتكفل بالعلاج كله وكل شيء وتحمل مسؤولية الخطأ، فما كان من السيدة إلا أن طلبت من زوجها التنازل عن كل شيء، وترك الرجل دون أي مسؤولية قانونية، ولا حتى تحمل نفقة العلاج، ما دام ابنها بخير.
تحت الإصرار الشديد، وافق الزوج والأسرة عن التنازل عن كل شيء، وعدم مطالبة السائق بأي شيء، رغم الاعتراضات من الجميع وغضب الزوج وتسخين الأقارب بأن هذا السائق يجب أن يأخذ عقابه، لكنها أصرت على التسامح والمسامحة والعفو.
وفعلًا، لم يتعرض السائق لأي ملاحقات ولا حتى تكاليف العلاج وسُوِّي الأمر، وبخصوص الإصابات عند السيدة ووالدها، شُفِيت كلها وبسرعة كبيرة، حتى أن الأطباء تعجبوا من سرعة التآم الجروح والتحام الكسور.
لكن العجيب، أن ابنها شُفي من نوبات الصرع، ومرت الآن خمس سنوات، لم يتعرض ابنها لأي نوبة أو أي مرض! شُفي تمامًا من مرض آخر ليس له علاقة بالحادث، مرض كان يعطل حياتها وحياة ابنها بالكامل لسنوات وسنوات.
تختم السيدة قصتها لزوجتي وهي تقول إنها على يقين أن تسامحها مع السائق ومسامحتها له من قلبها وعفوها عنه هو ما جلب الشفاء لابنها، الشفاء من مرض احتار الأطباء في علاجه!
إن الله قد أرسل لها مكافأة كبيرة جدًا في ابنها ونور قلبها، لأنها تسامحت وفضلت التسامح والعفو على رغبات الانتقام والصراع.
حين حكت لي زوجتي هذا الحوار قررت أن أحكيه لكم، ولكل المسلمين، كي نستفيد كلنا من الدرس.
التسامح والعفو عند المقدرة فيما بيننا أفضل بكثير من الرغبة في الانتقام، ولا نعرف حجم المكافأة الربانية وقتها، لكن نكتشفها بعد حين، أن نكون ممن وصفهم الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران: “وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” صدق الله العظيم.
مقالات ذات صلة:
التسامح وأسباب غيابه في المجتمعات
التعصب والتسامح في مرآة الممارسات التطبيقية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا