علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

يومًا ما

يومًا ما كنت أجلس في أحد المطاعم، ورأيت أمًا معها طفل كثير الحركة والصراخ، والأم المسكينة تعاني محاولة السيطرة على ابنها الشقي، وبالتدريج بدأت تفقد هذه الأم أعصابها وتصرخ في وجه ابنها.

وجدت سيدة أنيقة تتقدم نحو الأم بهدوء لتعطي محاضرة للأم عن أهمية معاملة الأطفال بهدوء وعدم الصراخ، وأن تعنيف الأم لأبنائها قد يؤثر على نفسيتهم، وتحكي لها عن تخاريف ما يسمى نظريات التربية الحديثة!

قلت لنفسي، هذه السيدة الأنيقة الرائقة البال تعيش في عالمها، ولا تشعر بحقيقة ما تعيشه الأم، ومن السهل عليها الحكم على الأم وإعطاء محاضرات، لكن لو قدر الله أن تكون هذه السيدة الهادئة في نفس موقف الأم، غالبًا لكانت أشد صراخًا وتشنجًا!

فخ التسرع في الحكم على الآخر

يومًا ما كنت أركب الطائرة وفي الكرسي الذي أمامي يركب رجل مع أبيه العجوز، وبحكم أنني طبيب فلاحظت أن الأب يعاني من مرض الألزهايمر؛ فقدان الذاكرة ومعه عدم استقرار نفسي وتقلب عاطفي، مع نقص في الوعي والتركيز والقدرة على تقدير الأمور واتخاذ القرارات، وسمعه ثقيل، وطبعًا غالبًا يعاني من أمراض أخرى.

في الرحلة الطويلة رأيت معاناة الابن مع أبيه، وهو يساعده في كل شيء، وفي نفس الوقت يحاول السيطرة عليه كي لا تحدث مشاكل على الطائرة من أي تصرف يقوم به الأب العجوز محدود الوعي والقدرات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وجدت رجلًا يذهب إلى الابن، ويعطي هذا الابن محاضرة في حسن معاملة الأبناء لآبائهم، وأن ما يفعله حرام وأنه ابن عاق، وخطورة عقوق الوالدين، ولا تقل لهما أف، إلخ من الخطب التي نعرفها!

رجل غالبًا لا يعرف شيئًا عن الحالة الصحية للرجل العجوز، ولم يعش لحظة في معاناة هذا الابن مع والده المريض المسن، هذا الابن الذي أعتقد أنه بار بوالديه أكثر من أغلب البشر بحكم تحمله لمسؤولية أبيه المريض.

تمهل قبل الحكم على الآخرين

الحكم على الآخرين

من السهل الحكم على الآخرين، من السهل أن تضع نفسك قاضيًا تحكم، فقط بمشاهدة موقف أو رؤية بضعة لحظات، ما دمت لا تعرف التفاصيل ولم تعش الظروف.

تجلس لتحكم وتقدم النصائح وتعتبر نفسك الحكيم التقي الورع، الذي يقدم النصح للآخرين، وتحكم على دينهم وأخلاقهم.

لكنك غالبًا لو عشت بضع ساعات في نفس ظروفهم، لتصرفت أسوأ منهم، ولكنت أكثر غلظة منهم.

لا تحكم على تصرفات الآخرين، فأنت لم تعش ظروفهم، ولا تعرف حجم المعاناة التي يمرون بها.

مقالات ذات صلة:

ثقافة التطفل وآفة الانشغال بالآخر

الأنا والآخر في تجليات الاختلاف الفلسفي

“هارمونيا الأنا والذات والآخر في سياق التنوع”

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس