أسرة وطفل - مقالاتمقالات

الترابط الأسري ترابط للمجتمع .. الجزء الثاني

ثانيًا: الحقوق والواجبات

بعد أن تحدثنا عزيزي القارئ في المقال الفائت عن التكافؤ في الزواج، وكيف أنه شرط أساسي يكفل للأسرة أن تدوم عشرتها وتبقى علاقتها قائمة على نوع من التفاهم والود، هلم بنا سعادة القارئ العزيز نتعرف على السر الثاني في ضمانة الحفاظ على الحياة الأسرية وتوثيق روابطها، وهذا السر يتمثل في معرفة كل فرد لواجباته وحقوقه، فالأسرة الواعية هي الأسرة التي يعلم أفرادها ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق، فالأب له دور يقوم به تجاه أسرته، والأم لها دور تقوم به تجاه أسرتها، والأولاد لهم دور يقومون به تجاه أسرتهم، وأي خلل في هذه الأدوار يؤدي حتمًا إلى تفكك هذه الأسرة ومن ثم تفكك المجتمع كله، ولذا جاءت الشرائع السماوية كلها تحث كل فرد على أن يقوم بواجبه المنوط به تجاه أسرته.

نعم إن للزوجين حقوقًا لكن في الوقت ذاته عليهما واجبات، والأولى بالإنسان قبل أن يسأل عن حقوقه أن يقوم بواجباته أولًا، وصدق الأستاذ العقاد إذ يقول: “عليك بالواجب ودع الحقوق تسعى إليك بغير عناء”، فكل إنسان إذا قام بدوره تجاه الآخر اكتملت دائرة الحقوق والواجبات ووصلت الحقوق إلى الجميع دون أن يُسعى وراءها أو تضيع على أحد، وذلك لأن كل حق لي هو في الوقت ذاته واجب على غيري، وكل حق للآخر هو في الوقت ذاته واجب عليّ أنا، وبهذا ينتفع كل منا بالآخر وإن كان لا يقصد ذلك قصدًا، وإن أي تخاذل في الواجبات من أي طرف يؤدي إلى ضياع حقوق الآخرين وإن كان لا يقصد ذلك أيضًا.

الآن دعنا أيها القارئ الكريم نتعرف الإجابة عن هذا السؤال المهم: ما أهم واجبات الزوجين التي يجب عليهما أن يقوما بها؟ والإجابة عن هذا السؤال الكبير تحتاج إلى كلام كثير يستغرق صفحات وصفحات –وكم أُلف فيه من صفحات! – وسأحاول في إجابتي هنا أن أكون موجزًا إيجازًا غير مخل وفي الوقت نفسه يتناسب مع هذا المقال.

إن الواجبات المنوطة بالزوجين كثيرة، وأول هذه الواجبات –كما أرى– احترام كل من الزوجين للآخر، فالأصل في عقد الزواج أنه يوجِد المحبة والمودة بين الزوجين، يقول الله تعالى في سورة الروم آية 21: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، فهل تأتي المودة والرحمة دون وجود الاحترام؟! الإجابة بكل وضوح لا وألف لا، فالاحترام الدائم يوجِب المحبة ويحسن العشرة ويؤدم الحياة، ولنا في رسولنا الكريم –صلى الله عليه وآله وسلم– الأسوة الحسنة وهو يحثنا على الخيرية في التعامل مع الأهل بقوله: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” سنن الترمذي، والمتأمل في الآية الكريمة يجد أنها نصت على أن الزوجة جزء من زوجها “من أنفسكم”، والزوج الواعي الفاهم معاني القرآن الكريم ومقاصده الشريفة يتعامل مع زوجته كما يعامل نفسه، كيف لا وهي جزء منه استودعه الله تعالى إياه؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هذا الاحترام بين الزوجين يتبعه ويلازمه احترام آخر: احترام الأهلين، فالرباط المقدس بين الزوجين وإن كان نصًا في أنه رباط بينهما فقط، إلا أنه ضمنًا رباط بين الزوج وأهل زوجته، وبين الزوجة وأهل زوجها، فالزوج يصير فردًا من أفراد عائلة زوجته، كما الزوجة تصير فردًا من أفراد عائلة زوجها، وعليه يجب على كل منهما أن يحترم الآخر وأهله، فاحترام الأهل يبعث حياة الود بين الزوجين ويجنبهما كثيرًا من المشكلات التي قد تتطور إلى الانفصال كما نرى حولنا في المجتمع.

إن ظروف الحياة الراهنة بما تحمل من صعوبات وتعقيدات تجعل كلا الزوجين قد يقصر في بعض واجباته، وهذا يؤدي إلى غضب الطرف الآخر، ولكي نتخطى ذلك ونتغلب عليه علينا أن يعذر كل منا صاحبه وأن يتغافل ويسقط بعض حقوقه التي لم يقم بها الطرف الآخر تجاهه، وأن يحاول ما وسعته المحاولة تذويب ما بينه وبين شريكه من تغيرات محزنة وتقلبات مزعجة، وذلك عن طريق ترضية الطرف الآخر وتقريب مسافات الود والمحبة بينهما كما كانت قبل ذلك، وما أحسن قَولَة أبي الدرداء لزوجه ليلة بنائه بها: “إذا غضبتُ فرضّني، وإذا غضبتِ رضيتُك، وإلا لم نصطحب”، فلا بد أن يحتمل كل من الزوجين شريكه ويتغافل عن مزعجات الحياة وشدائد الأيام حتى يؤدم بينهما وتبقى علاقتهما مترابطة وثيقة.

ومن ميزات الاحترام المتبادل بين الزوجين أنه يحفظهما حال الخلاف –والخلاف واقع لا محالة بينهما تبعًا لاختلاف الطبائع بين البشر– من أن ينخرطا في سلسلة الأخطاء، ويمنعهما من التجاوزات التي تزيد من هوّة هذا الخلاف، بل يجعلهما يتناقشان في أمور حياتهما بهدوء وروية حتى يصلا إلى الحل دون التعدي باللفظ أو بالفعل، اللذين يتسببان في كل الأحيان في مزيد من الخلاف بينهما.

مقالات ذات صلة:

ماذا يحدث للحب بعد الزواج؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كيف تعرف الواجبات المفروضة عليك كما تعرف حقوقك؟

الرجل والمرأة من نفس واحدة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عبدالله أديب القاوقجي

مدرس بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة