علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

سوء التغذية الروحية

دائما ما نسمع مصطلح سوء التغذية في المدارج الصحية، ولا يخفى على أحد معنى ذلك المصطلح، وهو “عدم حصول الجسم على عناصر التغذية التي يحتاجها”.

فَلِم إذن نضيف الروح إلى ذلك المصطلح؟! بكل بساطة لكون الروح كالجسد تماما، بحاجة إلى تغذية هي الأخرى، ولكن كما أن طبيعتهما مختلفة -فالجسد مادي والروح معنوية- فلكل منهما تغذيته الخاصة، ورغم ذلك يوجد تأثير وتأثر ببعضهما البعض كونهما جزءًا من تكوين كائن واحد وهو الإنسان.

تأثير سوء التغذية الجسدية على الروح

فكيف تكون أشكال تأثير سوء التغذية الجسدية على الروح؟

فإن ذكرنا مثلًا أن نقص بعض المواد عن الجسد يصيب الجسد بالضعف مما يؤثر بالتبعية على الروح، فإذا أراد الإنسان التحرك وفق قوته الروحية، أي حينما يستحسن العقل أمرًا وتحفز العاطفة همته للتحرك فتترجم بالسلوك، إلا أنه بسبب ضعف الجسد لا يمكن للسلوك أن يحدث، فتتأثر الروح جراء ذلك لأنهما كيان واحد بالنهاية.

فكيف إذن تحدث التغذية الروحية؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قوى الإنسان

التغذية الروحيةالقوة العقلية

وهي المسؤولة عن الإدراك، وتغذيتها هي المعارف والفضائل، أي أنها تدرك واقعها بما يشمل من خلقها وطبيعتها وطبيعة الوجود التي هي فيه، فتعلم القيم الحسنة والقيم القبيحة فتلتزم القيم الحسنة وتمتنع عن القيم القبيحة،

وذلك يتم عن طريق توجيهها لقوى النفس الأخرى (الغضبية والشهوية) ليتم تحريك الجسد فتتسامى النفس، لانطباع تلك الفضائل فيها جراء تطبيقها للأفعال الموافقة لتلك القيم وتلك هي تغذيتها.

القوة الشهوية

وهي قوة مسؤولة عن دفع الإنسان للحصول على منفعة، أي دفعه نحو أي شيء يسبب له لذه ومتعة، وهي التي تحرك الجسد ليحصل على طعامه وشرابه وشهوته الجنسية،

والتي طبعًا تحكم صواب تحركها القيم والفضائل الحقة التي يدركها العقل ويطبقها سلوكيًا، فقد تحرك صاحبها لنيل ما ليس حقًا له وذلك قد يحدث في النفوس المسيطر عليها من قبل تلك القوة (الشهوية).

وهناك قوة غضبية

القوة الغضبية

وهي قوة مسؤولة عن دفع الضرر عن الإنسان، أي تدفعه للدفاع عن نفسه جراء اعتداء ما يهدد حياته أو يهدد حقه، وهي قوة عمياء كالشهوة لا تدرك الحسن والقبيح من الأفعال وما يجب فعله، ولكنها فقط تنفعل وتحرك،

وهي مسؤولة عن تحريك الجسد للدفاع عن نفسه كي لا يموت أو الدفاع عن حقه الذي يعتدي عليه شخص آخر، وهذا ما يوافق العدل كقيمة يوجه العقل النفس بالغضب تجاهها وتلك هي تغذيتها، وقد تتحرك عمياء دون عقل واعٍ فتبطش بحقوق الناس وتؤذي الغير بدون أي وجه حق.

اقرأ أيضاً:

وعاء النفس والروح

معرفة النفس

الحب طريق الإنسان إلى الكمال

صور العلاقة بين الجسد والروح

ولنجمع ما قدمنا من علاقة بين تغذية الجسد والروح بأمثلة توضح مدى ارتباطهما الوثيق ببعضهما البعض، والذي يجعل من كلاهما يؤثر بالآخر:

صورة العدل وأثرها على الروح

شخص يبتاع بضائع معينة فيبيع ويشتري وفق قيمة العدل، وهو ما يعود على روحه بالتغذية السليمة، وما يتم أكله من ماله هذا يعد نافعًا للجسد لكونه وافق القيمة الحاكمة وهي العدل.

فالعقل قد أشار إلى حسن العدل وارتقاء النفس بالتخلق به، كما أن المنهج الإلهي وضع طرق تطبيقه في المواقف المختلفة، والتي كذلك تتمم للإنسان سُبل إدراك الطريق الأمثل للتكامل والتطبع بالمثل العليا.

شخص يغش الميزان فيغذي روحه بقيمة الظلم، أو بمعنى أدق يحرم روحه من تغذيتها الحقيقية وهي العدل، فهُنا يحدث له سوء تغذية روحية، وما ينتج من ربح جراء ذلك يتم تغذية الجسد عن طريقه، ما يجعله يسيء تغذية الجسد بما ليس له حق فيه.

فالعقل أدرك أن عدم تطبيق قيمة العدل ينقص من رفعته، ويتسافل به سلوكيا وخلقيا، كما أنه بذلك الفعل يخالف المنهج الإلهي السليم والذي في مخالفته يضل عن سُبل الفلاح والصلاح.

أهمية التغذية الروحية

التغذية الروحيةلعلنا لسنا معتادين النظر فيما يجب أن نتغذى عليه حتى لا تسوء حالتنا الصحية ونصاب بأمراض سوء التغذية بسبب نقص العناصر الغذائية الواجبة، والتي نضطر بعدها إلى تناولها في شكل أدوية بإرشادات الطبيب لنعوض ذلك النقص ونحصل على صحة جيدة وسليمة.

فهل انتبه أحدنا إلى ضرورة صحة التغذية الروحية حتى لا يحدث سوء تغذية لها؟!

ما هي الروح؟ وما سوء التغذية بالنسبة لها؟

وإن كنا نمارس التداوي لسوء التغذية الجسدية، فهل هناك تداوٍ لسوء التغذية الروحية؟

تعريف الروح

لننظر بالعقل إلى عالم ما وراء الطبيعة لنعرف أوصاف تلك الروح، نجد أن الفلاسفة والعرفاء على مر العصور عرفوها بأنها “الجانب المعنوي للإنسان، والذي يملك ثلاث قوى هي عقلية وغضبية وشهوية”،

ونجد بأن لتلك القوى طبيعة مثالية لذلك المخلوق بمقتضى تكوينه الجسدي، حيث أن كل قوة روحية فيه ضرورية لإبقائه حيًا، وتمكينه من القدرة على الارتقاء،

فالشهوة والغضب يبقيان جنسه بالتناسل ويحفظان حياته بالاندفاع للدفاع عن النفس وما يخصه، والعقل يمكنه من معرفة حقائق واقعه وخالقه ونفسه، فحقيقته الروحية المدركة والمتدرجة تكاملًا بالإدراك الاختياري تحقق كمالها ورقيها.

كيف يحدث سوء التغذية الروحية؟

وما علاقة ذلك بسوء التغذية الذي ذكرناه؟

تلك الطبيعة الإنسانية جعلت الإنسان مدركًا، أي قادرًا على معرفة الحسن والقبيح من الأمور على المستوى الكلي وقليلًا من الأمور الجزئية، أي أنه يعي أنه إن انتزع حق أحد البشر فهو يفعل فعلًا قبيحًا يخالف تلك القيمة الحسنة التي يدرك حسنها وهي العدل،

فإن فعل .. تشوّه في نفسه ذلك القدر المحمول من قيمة العدل في داخله، أي أظلم نور عدالة نفسه، حيث أنه يستنفذ قدرًا من قيمة العدل التي يملكها في نفسه، وهو ما يجعله بالتبعية يحصل على قيمة الظلم، ويحل بدلًا منها في روحه ظلام الظلم، وهكذا لأي فعل يدرك حسنه وقبحه على المستوى الكلي.

أهمية بناء الروح

هي منظومة معنوية متكاملة كتلك المنظومة المادية التي يرجع إليها الإنسان ليداوي جسده، فإن لم ينتبه الإنسان في رحلته لتلك الأمور انتهى به المطاف إلى حجبه عن الارتقاء -المتمثل في القرب من الكمال المطلق.. خالقه عز وجل- بما اكتسبته نفسه من تشوّه روحي ناتج عن تغذية سيئة.

فكما يسعى الإنسان لمعرفة ما يجب له من التغذية ليتمتع بصحة وسلامة جسدية، من الواجب أن يسعى كذلك لاكتساب المعرفة بما يجب عليه للتغذية الروحية، وإلا تشوه دون أن يدري،

كمعتاد الظلام الذي يكره الضوء لمجرد أنه قد يكون في بدايته مؤلمًا لعينيه، والكاره للدواء لما فيه من مرارة، وهنا وجب أن يسبق ذلك بتقوية عقله بالعلوم التي يحتاجها كي تمكنه من معرفة الحسن والقبح فيلزم نفسه بما يجب فعله.

 

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد محمد

بكالوريوس تربية رياضة