مقالات

التدخين عادة تكاد أن تنقرض

في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين كتب أحد الأشخاص معلقا: “من لا يعرف متعة التدخين من غير المدخنين ينبغي ألا ينصح المدخنين بالتوقف عنه!”، وحصد هذا التعليق لايكات كثيرة مؤيدة ومحبة وضاحكة.. فهل التدخين متعة؟

مشهد آخر مستفز عندما تجد كتابا عن أحد الفنانين أو الكتاب ولا يجد المؤلف صورة لهذا المبدع سوى صورته بالسيجارة، وهو ما يحمل رسالة ضمنية للقارئ أن هذه السيجارة من علامات العبقرية ورسول من رسل الوحي والإلهام، فهل السيجارة ملهمة؟

هل في التدخين متعة؟

وعن متعة التدخين فقد لاحظت عن تجربة ماضية وعن ملاحظة الآخرين أن المدخنين بصفة عامة يفقدون حاسة التذوق، ولا يستمتعون بأشياء كثيرة في الحياة منها لذة الطعام الشهي، والمدخن في رمضان وبعد الجوع الشديد لا يفكر إلا في اللحظة التي ينتهي من طعامه حتى يشرب كوب الشاي مع السيجارة،

هذه هي متعته الحقيقية، وقد يدخل السينما أو يحضر مسرحية أو يزور متحفا ولا يستمتع كبقية خلق الله لأنه يفتقد السيجارة، ويكون في حالة قرف دائم ومستمر إذا تم حرمانه من السيجارة في مواصلة طويلة مثلا، والمدخن لا يستمتع بالنوم أيضا لأنه لا يستطيع أن ينام بعمق كاف بسبب البلغم المتراكم على صدره مع مرور الوقت.

والمدخن لا يبدأ عادة التدخين أصلا بهدف الاستمتاع بل لأهداف أخرى بعيدة عن المتعة، ولا بد أن تكون المبالغ الكبيرة الشهرية التي يدفعها المدخن منغصا أيضا من المنغصات التي تقلل متعة هذه العادة السخيفة، فمدخن سيجارة الكيلوباترا الحقيرة ينفق عليها مبلغا لا يقل عن ستمائة جنيها شهريا،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كان كفيلا بأن يشتري له أشياء أخرى أكثر فائدة وإمتاعا وأقل ضررا، وإذا كان مقتدرا ولا يهمه المال فهي مصيبة أشد لأنه قد يشتري بالقاروصة ويستهلك بالعلبتين والثلاثة يوميا مما يجعل شرايين قلبه وشعيبات رئته على وشك الانغلاق.

هل السيجارة ملهمة؟!

أما ارتباط السيجارة بالإلهام والوحي فإن أعظم مبدعي التاريخ لم يعرفوا السيجارة ولم يكن لهم أيضا في تناول الخمور ولا أي مكيفات أخرى، حتى على مستوى الفنانين والمطربين المشهورين حاليا فمعظمهم غير مدخن، ومعظمهم يمارس عادة تمرينات الجيم وهي أفضل بكل المقاييس، وعلى الشباب أن يقتدوا بهم في هذا الموضوع.

وأعرف جيدا أن التوقف عن التدخين ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا، وهو يرتبط باتساع وقت الفراغ وعدم وجود عادات أخرى بديلة، وأعتقد أن المدخن مثلا لو اعتاد أن يصلي الصلوات جماعة في المسجد فسيدخن أقل بكثير مما لو كان يصلي في البيت أو لا يصلي أصلا، ولو كان يمارس أي نوع من الرياضة بشكل يومي فسيدخن أقل أيضا،

ويرتبط التدخين أيضا بالأصدقاء المحيطين بك معظم الوقت فلو كان أغلبهم مدخنا فسيجعلك تدخن أكثر، ولو كنت غير مدخن فقد تفكر في التدخين بسبب الإلحاح المستمر والرغبة الغريزية عند الإنسان في تقليد الآخرين المحيطين.

والتوقف عن التدخين لا أقول سيحميك من الأمراض ولن يطيل عمرك لأن كل هذه الأشياء بيد الله ولكنه يجعلك تنام بشكل أعمق وأفضل، ويجعلك تتذوق الطعام كما كنت تتذوقه في طفولتك، ويجعلك تبدو أصغر سنا لأنه يجعل الدورة الدموية تتدفق في وجهك بشكل أحسن ويؤخر ظهور التجاعيد فيه، ويجعلك لا تحتاج مبكرا لأقراص الفياجرا.

التدخين والفن

والتدخين عادة تكاد أن تنقرض في دول العالم المتحضر الذي نسعى أن نكون مثله، وفي معظم الأفلام والمسلسلات الأجنبية الحديثة صار هناك حرص شديد على ألا يظهر أحد من الأبطال ممسكا بالسيجارة في الوقت الذي يقدسها مخرجونا وفنانونا لا أدري لماذا!

بل وألاحظ أحيانا أن المخرج يفرض على الممثل غير المدخن أن يدخن بدون أي دافع درامي، والأغرب أن هذه العادة الملعونة بدأت تنتقل للبنات والسيدات في مجتمعنا بشكل غريب، وكان هناك مسلسل تافه اسمه “سابع جار” كان يروج لهذه العادة كأنها شيء جميل ومحبوب، ولسنا ضد أن يقدم الفن أي شيء، ولكن من الجميل أن يكون الفنان لديه شيء من الالتزام والمسؤولية تجاه مجتمعه وإذا قدم الأشياء السيئة فليقدمها بشكل مختصر وبليغ وموح ولا يتفنن في عرضها كأنها أشياء جميلة في حد ذاتها.

اقرأ أيضاً:

شكرا على التدخين !

رحلة مع السجائر

العادة بين الترغيب والترهيب

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

د. محمد فهمي

طبيب أمراض باطنة عامة