الانفعال والعاطفة: تمايز الحالة ودينامية التفاعل
(Emotion and sentiment)
مرة ثانية يمكن أفهم أيها السادة وكلكم سادة:
تلعب الانفعالات دورًا مركزيًا في حياة الإنسان، إذ إن لها تأثيرًا مباشرًا على تفكيره وسلوكه، وتشكل مع التفكير والسلوك ما يصح تسميته إجمالًا مركب بنية الشخصية، فشخصية الإنسان تمثل معادلة شديدة البساطة وشديدة الوضوح في الوقت نفسه، ويمكن التعبير عنها على النحو التالي:
الشخصية = رأس × قلب × يد × بدن × سياق
P=3H x P+S
Personality= Head x Heart x Hand + body x Settings
عادة ما ينظر إلى القلب (Heart) أنه تعبير مجازي عما يعرف بالمنظومة الوجدانية في الشخصية (Affective Subsystems in Personality)، التي تتضمن الميول والاتجاهات والانفعالات والعواطف والقيم، وفيما يخص المكون الانفعالي في المنظومة الوجدانية من الشخصية يوجد اتفاق عام على أن الانفعالات الأساسية ستة انفعالات: السعادة (happiness)، الحزن (sadness)، الغضب (anger)، الخوف (fear)، الاندهاش (surprise)، الاشمئزاز (disgust).
ما هو تعريف الانفعال؟
عرّف عادل عز الدين الأشول (1987: 316) الانفعال بأنه: “حالة تشير إلى الخبرات والأفعال التي تتضح في الخوف والغضب أو أي انفعال آخر، وتتصف الحالات الانفعالية الحادة بتعطيل الخبرات وفاعلية الفرد، وقد تصل حال شدتها إلى التوقف الانفعالي أي عدم القدرة على أداء الاستجابة نتيجة للانفعال المفرط أو الزائد عن الحد”.
في حين أشار محمد عبد الظاهر الطيب (2004: 19-20) إلى أن الانفعال (Emotion): “حالة تغير مفاجئ تشمل الفرد كله دون أن يختص بها جزء معين من جسمه، ثم إن هذه الحالة الانفعالية تزول بزوال المثير أو المسبب، وقد ينظر إليه على أنه استجابة غير مسيطر عليها من جانب الفرد، كونها رد فعل لعائق أو مجموعة عوائق تواجهه وتمنعه من إشباع حاجاته الفسيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية”.
تعريف العاطفة
أما العاطفة (sentiment) فهي شعور منظم ومنتظم (organized feeling) يمثل اتجاهًا نفسيًا (a mental attitude) مفعمًا بانفعالات ذات لون وجداني محدد “حب، كره” مثلًا، يسمح للشخص بالتعبير عن انفعالات بأساليب نوعية خاصة، والعاطفة مفعمة بالدلالات الاجتماعية وتتخلق في إطار سياقات الخبرة الاجتماعية تتعدل بموجبها الحالة التكوينية الغريزية بإضافة بعد التفكير أو التدبر، وعلى ذلك فالعاطفة تركيبية نوعية من الاستجابات والسلوكيات الذاتية المفعمة بالدلالات والمعاني الثقافية والاجتماعية، وتمثل اسْتِعدادًا نَفْسيًّا يَنْزِع بصاحبه إلى الشُّعور بانْفِعالات مُعيَّنة وأداء سُلوك خاصّ حِيالَ فِكْرة أو شَيْء ما. أما الانفعال فله طابع تكويني في الغالب وينشط بفعل عوامل موقفية ويتضمن استجابات فسيولوجية.
فيما يتعلق بتفهم العلاقة بين الانفعالات والعواطف بكل من الهناء والتنعم وجودة الحياة بصفة عامة، يتعين علينا أن نفهم ما نحن قادرون على ضبطه والتحكم فيه وما نحن غير قادرين على ضبطه أو التحكم فيه.
الانفعال (emotion) على نحو ما سبقت الإشارة رد فعل معقد للدماغ تجاه مثير، سواء كان مثيرًا داخليًا (الأفكار، الذكريات، التخيلات، إلخ)، أو مثيرًا خارجيًا (شيء تراه أو تسمعه)، ويؤدي رد فعل دماغنا لهذا المثير وذاك إلى تغيرات فسيولوجية في البدن عبر إفراز الهرمونات وتحريرها، الانفعالات على هذا النحو حالات شعورية طارئة ومؤقتة وعرضة للتغير على الدوام.
أنواع الانفعالات
والانفعالات مثل الطاقة التي تحرك البدن، وتحثنا على تصرفات معينة، وهي أكثر شدة لكنها أقصر دوامًا من العواطف (sentiments). تتضمن الانفعالات في أحد التصنيفات التقليدية لها أربعة انفعالات أساسية تمثل التكوينات المبدئية للعالم الانفعالي للشخص، ويتكون بناء على التفاعلات فيما بينها عديد من الانفعالات المركبة الأخرى، وتتمثل هذه الانفعالات فيما يلي:
الحزن (Sadness):
يساعدنا انفعال الحزن في إعطاء أنفسنا وقتًا وحيزًا و مساحة شخصية نتعامل منها مع الأحداث السلبية والوقائع والخبرات المحزنة بتدبر وتأمل وروية، بما يمكن من سرعة تجاوزها والتعافي من تأثيراتها السلبية. ومع ذلك إذا استدام انفعال الحزن واتسعت نطاقاته استحال إلى طابع أو وسم عام للشخص يجعله أقرب إلى العاطفة (sentiment)، الأمر الذي يجعل الشخص تلقائيًا أكثر انتباهًا وأكثر تركيزًا على جوانب البؤس النفسي في الحياة بما يقترن ذلك بتخليق مظاهر التعاسة النفسية بمصاحباتها المعرفية والسلوكية.
السعادة (Happiness):
يساعدنا هذا النوع من الشعور بتذوق (rejoice) بهجة ما هو إيجابي وجيد كله في الحياة، فضلًا عن تمكيننا من صنع علاقات إيجابية مع الآخرين قوامها بث البهجة وصناعة المرح عطاءً وتلقيًا وتعبيرًا.
الغضب (Anger):
عندما نغضب، فإننا نميل إلى وضع حدود تفصلنا عن المواقف التي استثارت حزننا أو سببت لنا مشكلات. ويأخذ انفعال الغضب الطابع الإيجابي إذا تمكنا من ترويض ردود أفعالنا وإدارتها، وعادة ما يساعدنا الغضب على تعرف الأشياء والمواقف والناس الذين يؤذون مشاعرنا أو يسببون لنا ضررًا مع تحديدهم وتجنبهم، كما أن الغضب يساعدنا في التعبير عن حاجاتنا والدفاع عنها.
الخوف (Fear):
يتمثل الغرض الأساسي لهذا النمط من المشاعر في وقاية أنفسنا من المخاطر الفعلية. وعندما نبالغ في تخيل الخطر والحذر منه ووضع مساحة شخصية واسعة حول أنفسنا، نحوّل هذا الخوف إلى قلق (anxiety) أو رعب (panic)، لكن عندما نحلله ونعين مصادره ومؤشراته يمكننا تفكيك بنيته.
العلاقة بين الانفعال والعاطفة
على ذلك يأتي السؤال ما المقصود إذًا بالعاطفة (What is a sentiment)؟ دون الدخول في تفصيل نظرية يمكن القول أن العاطفة حالة شعورية دالة للتفاعل بين الانفعال والتفكير، وتعبر عن الخبرة الذاتية لانفعالاتنا. ويصبح الانفعال عاطفة وفقًا لمدى وعْيِنا به، بمعنى آخر تتضمن العاطفة كلًا من رد الفعل الفسيولوجي (physiological reaction) في تفاعله مع المكون المعرفي، والذاتي للخبرة الانفعالية.
ويعبر عن “العاطفة” عندما نطلق اسمًا على الانفعال ونقرر كيف سنتجاوب معه أو نحدد ردود أفعالنا تجاهه، الأمر الذي يعطي طابع الدوام النسبي للعواطف مقارنة بالانفعالات، وتستمر ما دامت لها حالة وجود في العقل، وعلى ذلك فإن العواطف تعقب الانفعالات، إذ لا يمكن أن توجد عاطفة دون أن يسبقها انفعال أولًا.
من أمثلة العواطف المركزية في حياة البشر: الحب (love)، الحسد (envy)، المعاناة (suffering)، الأسى أو الأسف (sorrow)، الغل (rancor)، الشفقة (compassion)، وكلما زادت قدرتنا على التعاطف، كنا أكثر قدرة على فهم عواطف الآخرين، على سبيل المثال يمكن أن يتحول الحزن إلى عاطفة عندما نشعر به ونفكر فيه، وينطبق المبدأ نفسه على الانفعالات كلها التي نشعر بها.
ما الفرق بين الانفعال والعاطفة؟
يوجد على الأقل أربعة أفكار جوهرية للتمييز بين الانفعال والعاطفة تتمثل فيما يلي:
- الانفعالات حالات عابرة ومؤقتة وتأتي وتذهب، أما العواطف فعلى العكس من ذلك تمثل وضعًا شعوريًا دائمًا نسبيًا في الجسم والعقل.
- تحدث الانفعالات على المستوى اللا شعوري ويمكن أن تظهر وتختفي بسرعة، في مقابل العواطف وهي حالات ذات طابع شعوري، ونعي أننا نشعر بها وندركها. والوقت عامل ضروري لنشأة العواطف من الانفعالات، لهذا السبب تتميز الانفعالات بالشدة، في حين تتطلب العواطف تنشيطًا لعمليات نفسية أكثر تعقيدًا.
- الانفعال دائمًا ما يسبق العاطفة: فمن دون انفعالات يتعذر تشكيل العواطف. ويمكن أن يُنشِّط الانفعال نفسه عواطف متنوعة لدى الشخص نفسه. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي انفعال الفرح أو البهجة (joy) إلى تكوين عاطفة “الحب” أو “النشوة”، أو كليهما.
- الانفعالات ردود أفعال نفسية تحدث بتلقائية وآلية، في حين أن العواطف على العكس من ذلك لها طابع تفسيري أو تأويلي لهذه الانفعالات، ويمكن تنظيمها عن طريق تفكيرنا.
وتأسيسًا على ذلك عندما نكون على دراية ووعي بعواطفنا نتمكن من إدارتها وتوجيهها، الأمر الذي يستلزم تعلم استراتيجيات إدارة انفعالاتنا ومشاعرنا وتنظيمها لتحقيق حياة قائمة على السعادة المتوازنة.
مقالات ذات صلة:
النظريات المفسرة للسلوك الإنساني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا