مقالات

كوڤيد .. هل وضعنا على عتبات عالم جديد؟!

على مدار ردح طويل من الزمن تلقينا إشارات أننا بحاجة إلى تغيير ما بأنفسنا وتبديل ما في سلوكنا، ولتقويم ما نفعله كله مع ذواتنا ومع العالم حتى يغير الله ما بأقوامنا وأحوالنا. لكننا كنا نغض الطرف، ونسد المسامع ولا نلقي بالًا لتلكم التحذيرات.

الحقيقة أن الجشع للسلطة كان عنوان المرحلة، والطموح للثروة زاد الرحلة، والصراع من أجل المكانة سيد الموقف، والشبق لزهرة الحياة الدنيا ولكل بريق زائل وسراب خادع محور حركتنا في دروب هذه البسيطة.

لقد وضعنا كوكبنا على شفا جرف هار، وجعلنا أركان حياتنا كلها في مهب الزوال، لقد دأبنا على فعل الموبقات كلها التي تهدد مسألة وجودنا وتعرض بقاءنا على الأرض للخطر.

لكن بدلًا من حلحلة المشكلة، بدلًا من إنقاذ البيت الذي استخلفنا الله إياه، طفق البشر يحلمون بالرحيل إلى كوكب آخر، وراودتهم أضغاث أحلام الانتقال إلى كوكب جديد، غير مدركين أننا نعيب مكاننا وزماننا والعيب فينا، وأن المكان والزمان لو نطقا لأوسعانا نقدًا وهجاء.

كيف أفسد الإنسان في الأرض؟

إن ذلك جوهر المشكلة ولب الصراع، أينما ذهبنا وحيثما حللنا أو ارتحلنا إنه نحن، حتى لو انتقلنا إلى كوكب جديد سنرتدي النفوس والضمائر ذاتها، والنقائص والمثالب والهنات نفسها ومناهج التدمير لا البناء كلها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

علينا تقويم سلوكنا تجاه الحياة، لقد أهلكنا الحرث والنسل وأفسدنا البر والبحر والفضاء، وتمكنّا من تسميم الهواء والغذاء والماء بتدخلاتنا واختراعاتنا، التي انتهت بتدمير صحتنا وإضعاف لياقتنا.

فالأغلب الأعم من أغذيتنا طالتها أنامل العبث، فهي إما معالجة كيماويًا أو معدلة وراثيًا أو منتهكة چينيًا للغاية، وتسببت في فصائل شتى من الأمراض بسبب فرط المواد الكيميائية والمواد الحافظة المضافة إليها، مع التربة الملوثة.

لقد أضحى من قبيل المستحيل ومن ضروب الخيال حاليًا الحفاظ على نظام غذائي صحي أو الحصول على لقمة نظيفة أو كوب ماء نقي، وأمسينا في مرمى العلل والأمراض على نحو متفاقم خطير، وكلنا ندفع ثمنًا باهظًا لخطايانا في حق الطبيعة واجترائنا على حدود الفطرة ونواميس الكون وانتهاكنا لبراءة الجم من الأشياء.

غرور المال والعلم

إننا ننفق المليارات على ارتياد الفضاء وغزو عوالم أخرى، والبحث والتنقيب عن أمارات الحياة على مسافات سحيقة من ملايين السنوات الضوئية بعيدًا عن الأرض.

نبحث عن إبرة صغيرة في قش الكون اللا نهائي، عن الحياة في عوالم أخرى حالمين بالتغيير من أجل كوكب جديد سعيد، لكن تشح نفوسنا وتبخل أيدينا في إنفاق دراهم معدودة لإنقاذ كوكبنا القديم التعيس!

لماذا لا يستثمرون في بقائنا هنا؟ إنه الغرور بقوة العلم والمال! لا ريب أن ثمة كثير من جنون القوة في هذا كله، لكنهم ينسون أو يتناسون أن القوة الحقيقية ليست على الأرض بل تكمن في السماء!

بالطبع، سوف تنقلب الطبيعة علينا ويثور الكون ضدنا. اليوم أصبح هذا جليًا جلاء الشمس في رائعة النهار.

متى ينفض الجميع غبار الكراهية؟ متى يستيقظ البشر ويرون أن كل شيء يحدث نتيجة منطقية لأخطائنا وخطايانا؟ لكنه الكبرياء يمنعهم من الاعتراف بأننا عاجزون ذاهلون عن اتخاذ الخطوة الأولى.

لذا فنحن نخضع لاختبارات عظيمة ومحن مفصلية ونقف في مفترق طرق وجودي، العزاء أن ثمة فسحة من الوقت وبحبوحة من الفرصة لا تزالان بإمكاننا لإنقاذ الكوكب!

أقرب طريق للنهوض والإصلاح

علينا أن نخلع رداء الكبرياء وإزار الغطرسة، فالكبرياء رداء الله، علينا الانصهار في بوتقة عمل جماعي!  فلا ننظر إلى الآخر بتربص أو تنمر كأنه عدو لدود، بل ننظر إليه كأنه ولي حميم.

لا تميز ولا لون ولا عرق ولا لغة ولا دين، إنه الدم الإنساني ذاته يضخه قلبك ويسري في شرايينك ويمتزج بأنسجتك وخلاياك، هو الدم ذاته الذي كان يجري في عروق أبينا آدم وأمنا حواء وهو ذاته يجري في عروق الجميع.

في الشمال الغني أو الجنوب الفقير هو الهواء ذاته الذي نتنفسه، سواء كنا على ضفاف الأطلنطي أو على ضفاف بحيرات إفريقيا أو في كهوف آسيا، هي الأنفاس ذاتها، إنه الاتحاد والتعاون على البر والتقوى ومصلحة الكوكب العامة العليا الذي سينقذنا، إنه التعاون الجمعي العالمي عن طريق عقد عالمي جديد.

فالتحدي ليس فقط كوڤيد 19، إنه تحدي رأب الصدع ورتق الفتق الذي دمر العرى الإنسانية الوثقى التي كانت تربط بني الإنسان.

علينا إصلاح ما أفسدته أيدينا وما نشرته ألسنتنا الحداد، وما كتبته أقلامنا من نصوص الحقد والكراهية ومواثيق الدمار والفناء، علينا إماطة الأذى عن طريق الإنسانية الذي أصبح متخمًا بالأحزان والصراعات والجروح والويلات منذ أمد بعيد.

الله يعطينا هذه الفرصة، علينا أن نهتبل هذه الفرصة السانحة التي ربما تكون الأخيرة للحصول على عالم أفضل!

مقالات ذات صلة:

كيف نطهر قلوبنا من الغرور

حالة الطبيعة: كل ما يحيا يسعى نحو السيادة

نظرية الميازما أو الهواء الفاسد

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. جمال شعبان