علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

صناعة الكراهية

سألني صديق عزيز عدة تساؤلات حائرة:

– هل غدت الكراهية صناعة يا صديقي؟!

– هل من الممكن أن يستمر الحقد والغل البشري مدمرًا لنقاء العلاقات الإنسانية السوية دون رادع؟!

لماذا غدت الثقة في الآخرين أمرًا صعب المنال؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– لماذا غدا الحقد ثقافة مهيمنة وأصبح التشويه المتعمد للغير فلسفة حياة؟!

– لماذا تصبح مطالبًا بالدفاع عن نفسك باستماتة، مجهدًا عقلك في التفكير، وتموت نفسك حزنًا على ما وُجِّه إليك من أقرب الناس إليك؟!

لماذا غدت النصيحة الآن عسلًا دُسَّ به السم، فغدا رحمة في ظاهره وفي باطنه استقر الموت والهلاك؟!

– لماذا الحقد الدفين غدا معادلًا موضوعيًا لعلاقات البشر؟

تساؤلات حائرة وجهها لي صديقي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تأملت كلماته، وألجمتني تساؤلاته، التي هي واقع يبرز اكتمال نمو “فلسفة الكراهية”، التي بدأت غرسًا قذرًا متضمنًا بذرة الشر الأولى، والآن غدت صرحًا من حقد وغل ونفاق وتلون…

قلت له:

تساؤلاتك منطقية يا صديقي أراها تبرز واقعنا، لذا نحن في حاجة ماسة إلى بناء جديد للنفس البشرية، بناء يرقى بالنفس من طور الفساد وزراعة الشر والكراهية إلى طور التسامح والنقاء واحتواء الآخر، ودعمه ومساندته والتسامي فوق الخلافات وإيثار الغير على النفس، نحتاج إلى وقفة أمام المرآة وسؤال النفس سؤالين واضحين وصريحين:

الأول: هل استراحت ضمائرنا بعد وشايتنا بالناس؟!

الثاني: هل نحن أنقياء شرفاء لا عوار لدينا، ومن ثم لنا الحق في تدمير الناس والافتراء عليهم؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن أجبنا بصدق، فسنستمع إلى أصوات الضمائر بأعماقنا ناطقة بالحق آنذاك، أما إن امتنعنا عن الإجابة، فيا لرحمة الله! فقد ماتت الضمائر، ووقتها إن لم تستحوا فاصنعوا ما شئتم!

في النهاية يا صديقي:

– ليعلم كل شريف عفيف أنه لن يسلم من الأذى والابتلاء.

– وليعلم كل مجتهد مخلص أنه لن يسلم من خفافيش الظلام تلك التي تتنفس غلًا.

– وليعلم كل ساع إلى هدفه أن طريقه معبدة بالأشواك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– وليعلم كل من بدأ مسيرة خير أنه لن يسلم من التربص والترصد والتتبع.

لن يسلم الجميع يا صديقي ما دامت النفوس العفنة أفاعي تبث سموم الكراهية حولنا كل يوم.

من العجب أننا أصحبنا في واقع مريب لا تعرف فيه عدوك من حبيبك، ولا تعلم فيه من يدعمك ومن يخذلك، ومن يدعي أنه معك وهو أشد الناس حرصًا على الخلاص منك، ولا تعرف أي معايير منطقية للتعامل الإنساني السوي، الذي غدت المحبة فيه أسيرة قيود الكراهية، تلك القيود التي غدت الآن صناعة وحرفة وفلسفة حياة ومنهج وجود، يعتنقه أولئك الذين يحيطون بنا وفق قواعد عالمهم هم، وليس وفق قواعد عالمنا المفرطة في الثقة العمياء فيمن لا يستحق!

مقالات ذات صلة:

هل للعرقية والتعصب أساس جيني بيولوجي؟

الانعتاق

ما هو الشر

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب

مقالات ذات صلة