مقالات

احلم معايا .. الجزء الأول

حاولت كتير أوصل لتعريف مطلق للأحلام لكني مقدرتش، مفيش ولا عالِم قدر يحط تفسير “مطلق”، لكن كل واحد وضع تفسير مناسب ليه ولأفكاره هو، ومفيش إجماع علمي على إيه اللي بنشوفه وإحنا نايمين ده.

أصل لو فكرت فيها، العالم مش عارف لسه يكتشف اللي بيشوفه وهو صاحي، لما يقدر يفهم بيشوف إيه وهو نايم!

قبل ما أدخل على الجزء العلمي، خليني أروح بيك على حكاية مريبة شوية، من نوعية الحكايات اللي بتحبها، بس خلي بالك كويس من تأثير الفراشة هنا.

أكبر ثوران بركاني في تاريخ البشرية

سنة 1815 في إندونيسيا، حصل انفجار بركاني ضخم، يعتبر واحد من أقوى الانفجارات البركانية اللي حصلت في التاريخ، والأشد خلال 1300 سنة، وده تسبب في إن أوروبا اتغطيت بالكامل بسحب بركانية ورماد نتجوا عنه، ودخلت أوروبا فيما عرف بعد كده، سنة دون صيف، كل شهور السنة كانت شتاء.

لأن بفعل تغطية السماء بالسحب البركانية الداكنة دي، غابت الشمس طول سنة كاملةً، واشتد البرد على أوروبا بأكملها، وده أدى إلى توقف الأعمال والمصالح، اعتقادًا من الناس وقتها إن يوم القيامة اقترب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الموضوع ده خلق مناخ وعادات قريبة من فترة غزو فيروس “كورونا” بس مفيش عزل ولا الكلام ده، إنما بدأ الأوروبيون يشغلوا وقتهم بالهوايات والتجمعات اللي كانت بجانب شغلهم الأصلي، يعني اللي بيرسم جانب عمله بقى يرسم وبس، ويجتمع مع أصدقائه الرسامين، واللي بيكتب بقى يكتب بس، ويجتمع مع الكتّاب برضه، وهكذا.

اجتماع ماري شيلي مع الكتّاب والشعراء

سنة 1816 في سويسرا، وتحديدًا عند بحيرة ليمان، اجتمع بقى مجموعة من الكتّاب والشعراء في ليلة من لياللي يونيو، وخيموا عند النهر بعد ما أشعلوا النار وقعدوا حواليها كده، وبدأوا يتكلموا عن الكتابة والأدب.

الناس دي تبقى الروائي “جون بوليدروي”، والكاتب الأشهر “جورج بايرون”، إضافةً إلى الشاعر “بيرسي شيلي” وصديقته “ماري جودوين” اللي بتنتمي إلى عائلة أدبية بالأصل، وكانت وقتها بنت مراهقة عندها 18 سنة، رافقتهم لإعجابها الشديد بـ”بيرسي شيلي” وبالقصائد بتاعته.

فضل الأربعة يومها تحت وطأة الظلمة وحرارة النار، ويتسامروا طيلة الليل عن الأدب والتطورات اللي بتحصل في العالم ونقاط التماس بينهما، وأكتر شيء كان مبهر ودار عليه نقاش طويل هو “الكهرباء”، واللي كانت اختراع جديد هيغير شكل العالم.

الفكرة اللي كانت محور الحديث دارت بين “شيلي” و”بوليدروي”، حوالين إمكانية تحول جسم الإنسان في المستقبل إلى “أداة” وفصل الوعي عنه، يعني كأنهم بيتكلموا عن “الروبوت” دلوقتي.

المهم..

اقرأ أيضاً: أغرب ما حدث في الحجاز

ثمرة المنافسة

أهمية الأحلامازداد الحماس وسطهم، والشغف قادهم لأن كل واحد فيهم يتسابق مع التاني في كتابة قصة قصيرة في ضوء اللي تناقشوا فيه، ومن بين القصص اللي اتكتبت كانت قصة “جون بوليدروي” اللي اسمها “Vampyre”، وبتتكلم عن ولد اسمه أوبري، بيحاول يتقرب لأسرة أرستقراطية، فبيضطر أنه يقتل صديق ابنهم “أوبري” بطريقة بشعة.

القصة دي تعتبر حجر الأساس للرعب “القوطي” في الأدب، وتأثر كتّاب كتير بيها، حتى “برام ستوكر” نفسه استلهم منها قصته الأشهر “دراكولا”.

اللي هيحصل دلوقتي هو اللي مهم..

بعد انتهاء اليوم، وزي ما قولت لك مفيش صبح ولا ليل، هي الدنيا على طول ليل وضلمة، بعد محاولات فاشلة لبنت الـ18 سنة في كتابة قصة قصيرة، وبعد ما كتبت كل اللي سمعته في اليوم ده من نقاشات الكتاب الجالسين معها، وفشلت في إنها تخرج منه بحدوتة محترمة، بتقرر “ماري” إنها تنام.

في أثناء نومها بيراودها كابوس مرعب، عبارة عن خليط من كل اللي سمعته منهم وقرأته يومها، والأهم “كتبته” يومها.

قامت مفزوعة وجنبها ورقة وقلم كتبت فورًا اللي شافته، واللي كان عن عالِم في معمل بيستخدم الكهرباء في إحياء البشر المتوفين، واستخدامهم أداة لتنفيذ رغباته وأهدافه.

اقرأ أيضاً: الإسقاطات اللي في الأحلام دي ليها إشارات في الواقع؟

أحلام وكوابيس غيرت العالم

في أثناء استيقاظها، فشلت في تنظيم قصة مسلسلة وخلق حبكة منضبطة للخربشات اللي كتبتها، لكن وهي نايمة شافت كابوس منظم وفيه حبكة وقصة منضبطة.

الكابوس ده واللي كتبته “ماري” يبقوا رواية “Frankenstein”، واللي تبقى أعظم أعمالها، ويعتبر بداية ما يسمى بـ”أدب الخيال العلمي“.

الحكاية دي خلصت، بس لو فكرت فيها بعمق أكتر هتشوف إن رواية زي دي مش بس أثرت على “ماري” في حياتها كلها، وخلتها أديبة كبيرة، لكن أثرت على الأدب بأكملهِ، وفتحت فرع جديد ليه، ومنه اشتغل كتّاب كتير جدًا على النسق ده.

الموضوع كله بدأ من عند عالم الأحلام، يعني هنا الواقع تأثر بالأحلام.

أحلام أطلقت مشاهير

أهمية الأحلام

زي ما إنتَ كمان شوفت في القصة، واضح إن “ماري” تأثرت باللي سمعته وقرأته يومها، وده تبلور في كابوس شافته وهي نايمة، فإذًا الحلم نفسه تأثر بالواقع، وده بيسيبنا عند نقطة واحدة هي اللي متفردة، الحلم ذات نفسه، لأنه كان نقطة مفصلية عندها اترتبت كل الفوضى اللي حصلت في الواقع، وإخراج منتج جديد مرتب للواقع.

الحقيقة إن قصة “ماري” دي مش الوحيدة على القائمة، اللي صرح فيها فنان أو فنانة بأنهم حلموا بحاجة كان لها أثر كبير جدًا على الفن اللي قدموه، ولنا أمثلة عديدة، فالموضوع ده لا يثبت إلا إن الأحلام فعلًا ليها بصمة وأثر على الواقع، ومع وجود الأدوات السليمة لترجمة الإشارات اللي بنشوفها في الحلم بنقدر نفهمه بشكل أعمق.

لو فكرت في كلام الفنانين دول هتلاقي تشابه دائم في نِقاط معينة، زي إنهم يكونوا سهرانين طول اليوم بيدوروا على فكرة أو بيكتبوا عن حاجة، يعني ذهنهم وقت الاستيقاظ بيكون مشغول بالموضوع اللي بيحلموا بيه بعد كده.

اقرأ أيضاً: لحظة الكشف العلمي من الخيال إلى الواقع

مفتاح الإبداع

هنا قدمت مجلة (scientific American)، في مقال عن الأحلام سؤال للباحثة والكاتبة (Deirdre Barrett)، عن كيفية استخدام الأحلام لحل الأسئلة واستجلاب الإلهام؟

بتقول “باريت” إنها لما بتفكر في المسألة دي، بتفتكر محاولة العالم الألماني (August kekule) لرسم هيكل البنزين، شاف حلم فيه الذرات تتراقص وترتبط ببعضها، وبدأت تأخذ شكل الثعبان الذي يأكل ذيله. وعندما استيقظ رسم ما حلم به، وأوحى له الحلم أن هيكله يجب أن يأخذ شكل الحلقة، من هنا ولِدت حلقة البنزين التي ندرسها الآن في الكيمياء العضوية.

هنا بتقول “باريت” إنك عشان تحلم بحل لمشكلة أو مسألة معقدة لازم ولا بد إنك “تكتبها” في ورقة، وتقرأها قبل النوم مباشرةً، وتحاول ترسم صورة تخيلية للمسألة دي في عقلك مباشرةً قبل النوم، لو مشكلة شخصية حاول تكتب اسم الشخص اللي إنتَ على خلاف معاه، وتقوم بنفس الخطوات.

فوائد الأحلام

أهمية الأحلاماللي نستخلصه من كلام “باريت”، إن تأثيرنا في الأحلام مقترن بوجودنا ومدى تفكيرنا في الأمور قبل دخولنا في حالة النوم، زي ما شوفنا في حالة “ماري” و”أغسطس”، والاتنين كتبوا وفكروا كتير جدًا في الحاجات اللي بعد كده حلموا بيها، مش بس حلموا بيها، دول كمان شافوا حلول وترتيب هما نفسهم مقدروش عليه وهما صاحيين.

يعني إزاي بقى؟ هل هناك نسخة أكثر ذكاءً مني في “الأحلام” لما بعرض عليها أسئلتي بتجاوبني بشكل أذكى؟

وفقًا للتقرير والإجابات اللي قدمتها “باريت” برضه يا رفيق.. آه، النسخة الحالمة منك بتشوف بشكل أكثر نقاء منك، وبصفاء عنك، وبتقدر تحلل الأمور بشكل أوفى.

يتبع..

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. مصطفى محمود حسن

باحث وكاتب روائي