السلوك الإنساني .. الجزء الثاني
أنواع السلوك الإنساني:
1- السلوك البسيط والسلوك المعقد
يفرق العلماء بين السلوك أنه استجابة كلية وبين النشاط الفسيولوجي أنه استجابة جزئية، ويتدرج السلوك بين البساطة والتعقيد.
أبسط أنواع السلوك هو السلوك الانعكاسي (Reflexive Behavior)، ومن أعقد أنماطه السلوك الاجتماعي (Social Behavior)، مثل سلوك الدور الاجتماعي، فالسلوك الانعكاسي محصور في الفرد، ولا يحتاج إلى استخدام المراكز العقلية العليا في الجهاز العصبي، ومعظمه وراثي ولا إرادي وغير اجتماعي.
أما السلوك الاجتماعي مثل سلوك الدور فإنه يتضمن علاقات بين أفراد الجماعة، وبين الفرد والبيئة الاجتماعية، ويحتاج إلى تشغيل المراكز العقلية العليا، وهذا السلوك يتعلم عن طريق التنشئة الاجتماعية، ويتضمن اتصالات اجتماعية، وهو إرادي ومحدود اجتماعيًا.
2- السلوك المنعكس والسلوك الغريزي
السلوك المنعكس يكون عملًا ساذجًا ينشأ تلبيةً لمؤثر خارجي الغالب حدوثه دون إرادة، مثل إغلاق الجفن عند اقتراب جسم غريب، وضيق حدقة العين في مواجهة ضوء شديد، وأيضًا مثل سحب اليد بسرعة عند الشعور بالأذى، وهو ظاهري يحتاج إلى مؤثر خارجي ويؤثر على جزء فقط من الجسم وله مثير خاص جدًا، والسلوك الشرطي يتعلم بكثرة التجارب المتكررة.
أما السلوك الغريزي فهو سلوك يقوم به الكائن في ظروف معينة تالية لدافع فطري قوي مثل الهرب والاستغاثة عند الخوف، والمقاتلة عند الغضب، وهو يهدف إلى حفظ الكائن بكامله وتتدخل فيه الإرادة.
3- السلوك الاستجابي والسلوك الإجرائي
يميز سكنر (B.F.Skinner) بين نوعين من السلوك، هما:
السلوك الاستجابي (Respondant Behavior)، نشأ هذا النوع من السلوك نتيجة وجود مثيرات محددة في الموقف السلوكي، وتحدث الاستجابة بمجرد ظهور المثير مباشرة، ويتكون السلوك الاستجابي من الارتباطات المحدودة بين المثيرات والاستجابات، والتي يطلق عليها الانعكاسات، كما أن تعلم السلوك الاستجابي يندرج تحت نمط السلوك البسيط، لأنه يقوم على الارتباطات بين مثيرات محددة الموقف والاستجابات.
أما السلوك الإجرائي (Operant Behavior) فهو يختلف عن السلوك الاستجابي البسيط، إذ يتميز بأنه سلوك لا يرتبط بمثيرات محددة مسبقًا في الموقف كما يحدث في السلوك الاستجابي، وليس هناك مثير معين يعمل على استدعاء الاستجابة الإجرائية، بل هو كل ما يصدر عن الكائن الحي في العالم الخارجي، ومن دراسة الاستجابات الصادرة عن الكائن الحي يمكن أن نستدل على المثيرات المكونة لهذه الاستجابات.
4- السلوك الفردي والسلوك الجمعي
السلوك الفردي نشاط يقوم به الفرد تلبيةً لدافع شخصي غير متأثر بالعوامل الاجتماعية، ويبدو أكثر وضوحًا لدى الحيوانات والأطفال في إشباع غرائزهم الفطرية، فهو سلوك يصدر من الفرد مثل استجابة لحاجة فردية أو شخصية يحقق له هدفًا شخصيًا.
أما السلوك الجمعي فهو يتأثر بعوامل ودوافع اجتماعية، ويهدف إلى المحافظة على كيان الإنسان باعتباره عضوًا في جماعة، مثل الأسرة والمدرسة والنادي والمهنة، وهذا السلوك يشمل توافقه الشخصي في تعامله مع غيره من الناس.
5- السلوك كونه نزعة فردية والسلوك كونه وظيفة للموقف
يشير هايدر (Heider) أنه يمكن النظر للأشخاص على أنهم أصول أو مصدر للأفعال والسلوك، وبالتالي فمن السهل أن نفسر السلوك العدواني على أنه بمثابة تعبير عاطفي لشخص حاقد، أكثر من تفهم العوامل الموقفية والظروف التي أدت بهذا الفرد إلى إتيان هذا السلوك العدواني.
هذه النظرة تعطي اهتمامًا متزايدًا لدور الفرد كونه عاملًا محركًا وسببًا للأنماط السلوكية، دون اعتبار القوى الاجتماعية التي تجعل الأفراد يسلكون نمطًا معينًا في المواقف المختلفة، وهذا المفهوم يشير إلى أن النماذج السلوكية التي تميز شخصًا ما إنما تعكس ميكانيزمات داخل الشخص، مثل العادات والحاجات والأبنية المعرفية وفي أغلب الأحوال سمات شخصية.
بينما السلوك كونه وظيفة للموقف يشير إلى أن سلوك شخص ما، ما هو إلا انعكاس للموقف الذي يمر به، أي أن القوى الاجتماعية التي ترتبط بالموقف وتلازمه هي التي تشكل وتحدد سلوك الإنسان في أية لحظة معينة، مع الأخذ في الاعتبار أن خبرة الفرد السابقة في مثل هذه المواقف تعده قبليًا وتجعله يميل إلى التفاعل بطرق معينة في حالات خاصة.
6- السلوك السوي والسلوك غير السوي
السلوك السوي
السوية (Normality) هي القدرة على توافق الفرد مع نفسه ومع بيئته، والشعور بالسعادة وتحديد أهداف وفلسفة سليمة في الحياة يسعى إلى تحقيقها.
السلوك السوي هو السلوك العادي أي المألوف، والذي يغلب على حياة غالبية الناس، والسلوك السوي يسعى إلى التوافق سواء كان توافقًا شخصيًا أو اجتماعيًا أو مهنيًا، إلخ.
هو السلوك الهادف إلى تحقيق الشعور بالسعادة مع النفس، والاستفادة من مسرات الحياة، وإشباع الدوافع والحاجات النفسية الأساسية، والسلوك الساعي إلى تحقيق الشعور بالسعادة مع الآخرين وإقامة علاقات اجتماعية مهمة تؤدي إلى التكامل الاجتماعي والانتماء للجماعة.
إنه السلوك الذي يستطيع مواجهة مطالب الحياة، وتحقيق الذات واستغلال القدرات، وبذل الجهود الإيجابية في مواجهة الواقع، وهو السلوك الذي يؤدي إلى تكامل الشخصية (جسميًا وعقليًا وانفعاليًا واجتماعيًا)، وهو السلوك الذي يؤدي بالفرد إلى التمتع بالصحة النفسية والسلام الداخلي والخارجي، والإقبال على الحياة بوجه عام والتمتع بها والتخطيط للمستقبل.
السلوك غير السوي
واللا سوية (Abnormality) هي الانحراف عما هو عادي والشذوذ عما هو سوي، وهي حالة مرضية فيها خطر على الفرد نفسه أو على المجتمع، تتطلب تدخلًا لحماية الفرد والمجتمع.
الشخص اللا سوي هو الشخص الذي ينحرف سلوكه عن سلوك الشخص العادي في تفكيره ومشاعره ونشاطه، ويكون غير سعيد وغير متوافق شخصيًا وانفعاليًا واجتماعيًا.
السلوك غير السوي هو السلوك الذي يتناقض مع السلوك السوي والذي أوضحناه قبلًا.
شروط تحقق السلوك السوي
من خلال ما سبق فإن السلوك السوي في أبسط معانيه هو السلوك الذي يتناسب مع الموقف الذي يوجد فيه الفرد، دون أن يؤدي هذا السلوك إلى صراعات داخلية أو رفض ذاتي، والسلوك السوي لا يتحقق إلا بتوافر شرطان أساسيان هما:
- رضا الفرد عن السلوك الذي يقوم به.
- اتساق هذا السلوك مع مقتضيات الواقع وقيم المجتمع الذي يوجد فيه الفرد.
معايير الحكم على السلوك السوي
هناك عدة معايير للحكم على السلوك السوي من أهمها:
- المعيار الذاتي: إذ يتخذ الفرد في ذاته إطارًا مرجعيًا، يرجع إليه في الحكم على سلوكه.
- المعيار الاجتماعي: إذ يتخذ من مسايرة المعايير الاجتماعية أساسًا للحكم على السلوك بالسوي أو غير السوي، فالسلوك السوي يتوافق مع المجتمع وغير السوي غير المتوافق اجتماعيًا.
- المعيار الاحصائي: إذ يتخذ من المتوسط الحسابي أو المنوال أو ما هو شائع معيارًا للسلوك السوي، ويكون السلوك غير السوي هو السلوك الذي ينحرف عن هذا المتوسط سلبًا أو إيجابًا.
- المعيار المثالي: إذ يعد السلوك السوي هو الكمال أو المثال أو ما يقرب منه، والسلوك غير السوي هو ما ينحرف عن المثل الأعلى أو الكمال.
اقرأ أيضاً: المسئولية المجتمعية ونشأتها في الفكر الوضعي
أبعاد السلوك الإنساني
- البعد البشري: إن السلوك الإنساني سلوك بشري صادر عن قوة عاقلة ناشطة وفاعلة في معظم الأحيان، وهو صادر عن جهاز عصبي.
- البعد المكاني: إن السلوك البشري يحدث في مكان معين، فقد يحدث في غرفة الصف مثلًا.
- البعد الزماني: إن السلوك البشري يحدث في وقت معين، قد يكون صباحًا، أو يستغرق وقتًا طويلًا أو ثوانٍ معدودة.
- البعد الأخلاقي: أن يعتمد المرشد/ المعلم القيم الأخلاقية في تعديل السلوك، ولا يلجأ إلى استخدام العقاب النفسي أو الجسدي أو الجرح أو الإيذاء للطالب الذي يتعامل معه.
- البعد الاجتماعي: إن السلوك يتأثر بالقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد المعمول بها في المجتمع، وهو الذي يحكم على السلوك أنه مناسب أو غير مناسب، شاذ أو غير شاذ، فالسلوكيات قد تكون مقبولة في مجتمع ومرفوضة في مجتمع آخر.
جوانب السلوك الإنساني
- جانب معرفي: أي إدراك ما حولنا من مظاهر وأحداث مختلفة، تتفاعل بمعانٍ ورموز معينة، مثل أن يدرك قارئ ما أنه يقرأ كتابًا معينًا.
- جانب حركي: مثل الاستجابة الحركية لتعليمات أو تنبيهات لفظية معينة، مثل الاستجابة لإشارة المرور بالمشي أو التوقف.
- جانب انفعالي: وهي الحالة الانفعالية التي تصاحب السلوك، مثل الشعور بالارتياح وعدم الارتياح حيال موضوع السلوك، يؤثر في تدعيم السلوك أو انطفائه.
هذه الجوانب الثلاثة المكونة للسلوك إدراكية ومعرفية وحركية إجرائية.
اقرأ أيضاً: الأيديولوجيا.. هل يمكن تجنبها حقًا؟
العوامل المؤثرة في السلوك الإنساني
- العوامل الوراثية: تنتقل الجينات المسببة للصفات الوراثية (لون الشعر أو البشرة أو الذكاء) من جيل إلى آخر، وقد تبين أن كثيرًا من الخصائص تتحدد بزوج واحد من الجينات.
بينما تتوقف الخصائص المعقدة (مثل الذكاء ولون البشرة) على تفاعل عديد من الجينات المختلفة، التي تأتي من الوالدين ومن قبلهما، إضافة إلى دور الجهاز العصبي في تنظيم السلوك، بتأثيره في بقية أجهزة الجسم، وقد تبين أن أي إصابة للجهاز العصبي (قبل الولادة أو بعدها) تؤثر سلبًا في السلوك.
- العوامل البيئية: هناك عوامل بيئية كثيرة تؤثر في السلوك، منها:
- البيئة الطبيعية مثل الجو والتضاريس.
- البيئة الاجتماعية مثل المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، ورفاقه وزملاء العمل.
- البيئة الثقافة مثل الأسرة ووسائل الإعلام والحضارة.
- التطبيع والتنشئة: مثل أسلوب تربية الأطفال منذ السنوات الأولى.
- عوامل التعلم: إن الخبرات الشخصية والتجارب التي يمر بها الفرد، والتربية الخلقية سواء في المؤسسة التربوية أو خارجها تؤثر في السلوك.
- عوامل دور الفرد: لكل إنسان أدوار عدة في حياته، ويختلف سلوكه باختلاف الدور الذي يقوم به. فقد يختلف الإنسان ابنًا عنه أبًا، أو موظفًا أو مسؤولًا أو رئيسًا. وهناك عوامل اجتماعية ترتبط بكل دور، إضافة إلى عوامل خاصة تخص الفرد وأسلوبه في الحياة.
- يختلف سلوك الفرد باختلاف المواقف التي يمر بها. فقد يسلك سلوكًا عدوانيًا إذا هاجمه أحد، وسلوكًا مسالمًا إذا تودد إليه آخر. ويميل الإنسان بسلوكه إلى تكرار المواقف المحببة.
التكوين العقلي
إن المخ في الإنسان يتكون من ملايين وملايين من الخلايا، التي تكوّن المراكز العصبية المختلفة للنشاط، هذا التكوين المعقد يوحي في وظيفته أيضًا، وأي إصابة في هذا التكوين تؤدي إلى إعاقة الإنسان، فلا يستطيع القيام بنشاطه العادي ويعجز عن القيام بما يقوم به غيره من الأعمال، فالمؤكد هنا أن الجهاز العصبي وسلامته يؤثران في سلوك الفرد تأثيرًا كبيرًا، ويتيحان له إمكانية النشاط العقلي.
فكل هذه العوامل تؤثر في تكوين شخصيته، وفي أسلوب تكيفه الذي يميزه عن غيره من الأفراد.
التكوين الوجداني
إن سلوك الفرد لا يصدر استجابة لمؤثرات البيئة، بل يتأثر بنظامه الدافعي الذي يتدخل في تحديد إدراكه للمنبهات الخارجية، بمعنى أن دوافع الفرد لها أثرها في ظهور أنواع السلوك المختلفة بل وتوجيهها، كما أن صحة الفرد النفسية تتأثر بمدى إشباع حاجاته وطريقتها، وهذا يعني أن فهم شخصية الفرد يتطلب فهمًا لدوافعه.
مقالات ذات صلة:
مدى تشكيل القيم والمبادئ الإنسانية لسلوك الفرد
إحياء السلوكيات والأخلاقيات الاجتماعية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
