هل أنت بحال جيد؟ .. الجزء الثامن
نتناول في هذا الجزء من البحث الجانب النفسي الفكري المرتبط بحسن الحال، فهناك تصنيف للأمراض النفسية غير مشهور، إذ يقسمها إلى أمراض تؤدي إلى انقطاع تواصل الإنسان مع نفسه، مثل الإحساس بالدونية وعدم القدرة على المواجهة والاستسلام والكبر والعجب بالنفس، ومنها ما يؤدي إلى انقطاع الإنسان عن الواقع مثل التفكير بطريقة ثنائية غير منطقية أو بنوع من المبالغة، وهذا بدروه ينعكس على حسن الحال، كما أن لكل منهما علاقة بالآخر (الانفصال عن الواقع وعن النفس).
من أسباب تغير الأخلاق
يمكن ملاحظة ذلك بوضوح عندما نقابل شخصًا قبيح الأخلاق والسلوك، هذا الشخص يعاني من مشكلات نفسية من النوعين، هو حدد بأن ما يقوم به من سلوك مفيد بالنسبة إليه، فمثلًا نلاحظ كثيرًا من شباب اليوم أنهم قد اختفى من سلوكهم ثقافة احترام المرأة وتقديرها، كذلك احترام الكبير والعطف على الصغير، فالبعض يرى أن القسوة والجمود هما السلوكان الأفضل للتعامل مع المرأة، كما أن عدم إظهار احترام الكبير والرحمة بالصغير أمر عادي من طبيعة هذا الزمن الحالي بما يحمله من غياب للأخلاق عمومًا.
الانفصال عن الواقع
نحن هنا لا نحتاج إلى إثبات أن الأخلاق القبيحة شيء مرفوض، الشخص قبيح الأخلاق حدد أن هذا مفيد له لأنه يفعل ما يفعله المجموع العام من غالبية الشباب، دون النظر إن كان هذا صوابًا أو خطأً، فهو بذلك انفصل عن ما ينفع نفسه بالأخلاق الحسنة وحسن المعاملة، والتي هي نتيجة مباشرة لانفصاله عن الواقع الحقيقي غير المزيف، الذي لا راحة فيه ولا مودة ولا بناء أسرة سليمة إلا باحترام وتقدير المرأة، كذلك لا يستقيم مجتمع وينمو دون احترام الكبير وتقدير جهوده، والرحمة والعطف على الصغير، فذلك من مكارم الأخلاق التي يجب أن نتخلق بها إن كنا نرغب في حسن حال حقيقي ودائم، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة، هي القدوة للأولاد والسند للزوج وهي المدرسة الأولى لتربية الأجيال وخروجهم إلى المجتمع.
كذلك الكبير هو الأب والعم والخال والجد والجار والمعلم، وأن احترامهم واجب يعبر عن مدى تربية الفرد تربية حسنة، وتقديره للكبير يضيف إليه ولا ينقص منه، كذلك رحمته بالصغير تعبر عن ذلك أيضًا.
اتباع الفكر الغربي
هذا هو الواقع الحقيقي الذي يؤكد على أن حسن الأخلاق والسلوك هما من أهم أسباب سعادة الإنسان وحسن حاله وكذلك سلامة المجتمع، وأن انفصال الإنسان عن نفسه، نتيجة بعض الأمراض النفسية والباطنية فيه، يؤدي إلى ممارسة سلوكيات مضرة عليه وعلى باقي أفراد مجتمعه، ويجعله ينفصل أيضًا عن الواقع الحقيقي من حوله.
قد نجد شخصًا يتبنى الفكر الغربي المادي، وينظر إلى أمريكا أنها مظهر للحرية والعدل والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وقد يصل به الأمر إلى خيانة وطنه ورفض هويته لإرضاء “العم سام”، ظنًا منه أن هذا هو سبيل الرقي والتحضر، وفي الحقيقة يمكن إثبات أن هذا الشخص يعاني من مشكلات نفسية مرتبطة بالنوعين معًا، فهو قد ظلم نفسه وانفصل عما يكرمها ويكسبها العزة والشرف، نتيجة تبنيه فكرًا استعماريًا ظالمًا والدفاع عنه، وخيانة مجتمعه وقيمه نتيجة تأثره بهذا الفكر القبيح.
لقد انفصل هنا عن الواقع، إذ أخطا في تشخيصه بطريقة سليمة، فبدلًا من أن يدرك أن الفكر الغربي هلاك للإنسانية، وأن أمريكا مصدر للشر والدمار والفساد في العالم، اعتقد بالعكس، بل وأصبح أداة لهذا الفكر وتلك الدولة الظالمة دون أن يشعر، مما سينعكس عليه سلبًا بسوء الحال، فقد جمع بذلك الجهل الفكري والخلل النفسي.
نتاج الخلل النفسي والفكري
هذا الحال السيئ، الذي يجعل الفرد بدلًا من أن يبحث عن أسباب الخلل في ثقافته ومجتمعه ويسعى جاهدًا للإصلاح، نجده يغترب أكثر وأكثر عن مجتمعه، ويبحث عن بديل له جاذبية خادعة حتى لو كان هو المستعمر نفسه وسبب الفساد الذي حل بمجتمعه.
هذا الشعور إن نحن بحثنا عن أسبابه بدقة، لوجدنا أنه نابع من خوف وشعور باطني بالذل، لا يمكن أن يكون إلا نتيجة منطقية عن سوء حال هذا الشخص، فقد رفض العزة والشرف لنفسه ورضي بالذل والمهانة، بدلًا من مقاومة العدو فقد تشبه به ومارس نفس ظلمه، بل وأعانه على الظلم الذي يمارسه، فأصبح تابعًا له ويخدمه سواء بوعي أو بجهل.
نحن نشاهد أمثال هؤلاء بكثرة في وقتنا الحاضر ممن يعدّ الغرب القدوة والمرجعية التي يجب الرجوع إليها، ولا يرى في ثقافتنا ولا هويتنا غير السيئ فقط، وقد وصل الحال السيئ بهكذا شخص إلى مرحلة متقدمة جدًا حتى صار يرى الصلاح في التشبه بعدو مجتمعه، وما هذا إلا نتاج هذا الخلل النفسي والفكري معًا.
يتبع.
مقالات ذات صلة:
الجزء الأول من المقال، الجزء الثاني من المقال
الجزء الثالث من المقال، الجزء الرابع من المقال
الجزء الخامس من المقال، الجزء السادس من المقال
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا