الأكثر مشاهدةقضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الأول

رؤى متعددةٌ ومنهجٌ واحد

سنتحدث –صديقي  القارئ صديقتي القارئة– في هذه الدردشة، والدردشات التي بعدها، عن موضوع بالغ الأهمية هو “مدارس الفلسفة الإسلامية الخمس”.

سوف تكون دردشتنا حول هذا الموضع من زاويةٍ فلسفيةٍ عقلية، وليس من زاويةٍ تاريخية.

هذه المدارسُ الخمسُ هي على النحو الآتي:

  1. المدرسة المشائية.
  2. المدرسة الكلامية.
  3. المدرسة العرفانية.
  4. المدرسة الإشراقية.
  5. مدرسة الحكمة المتعالية.

سوف نتحدث عن كل مدرسةٍ من هذه المدارس من خلال: أصول المدرسة، ممثلي المدرسة، نماذج من المسائل الفلسفية للمدرسة، ثم نختم عرضنا لكل مدرسة بتقويم تأويلي لها.

في هذه الدردشة نقدم تمهيدًا ضروريًا بين يدي هذه المدارس الخمس:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفلسفة: الحكمة النظرية: الرؤية الكونية:

الله – الإنسان – العالم

حب الكمال:

فُطر الإنسانُ على حب الكمال، فهو يسعى إلى كل كمالٍ ويهرب من كل نقص.

من مظاهر حب الإنسان للكمال: حبه للحق المطلق، وللخير المطلق، وللجمال المطلق، أي حبه للكمال المطلق.

لولا هذه الفطرة التي فُطر عليها الإنسان ما سعى إلى معرفة الله تعالى، الذي هو الكمال المطلق.

لعلَّ تعريفَ الفلسفةِ بأنها “محبة الحكمة”، إنما يعني “محبة المطلق”.

السعادة الحقيقية:

وفي معرفة المطلق تكمنُ السعادةُ الحقيقيةُ للإنسان، وبه يدرك الإنسانُ إنسانيته، وبه يتعالى على الجزء الحيواني الجسماني، الذي يشارك فيه غيرَه من المخلوقات الأخرى.

مَلَكة التعالي نحو المطلق: إنَّ الإنسان وحده –من بين جميع المخلوقات– هو الذي لديه مَلَكة التعالي نحو المطلق، أي ملكة العقل والتفكير الكلي.

الوسيلة التي يحققُ بها الإنسانُ سعيَه نحو الكمالِ المطلق ليست شيئًا آخرَ سوى الفلسفة.

الحكمة:

نظرية وعملية: إنَّ كلَ تأملٍ في المطلق إنما هو حِكْمَةٌ نظرية بالأساس، تتشكل من خلال رؤية كونية كلية.

هذه الرؤية الكونية يكون محورها ثلاثيًا، يشمل: الله – العالم – الإنسان، هذه الحكمة النظرية هي الرؤية الكونية إلى العالم والإنسان والله، هي الرؤية الكلية، وهي الفلسفة.

ما يترتب على هذه الرؤية الكونية وما تتطلبه من سلوك وتدبير للفرد، والأسرة، والدولة، هو ما يعرف بالحكمة العملية، أو الفلسفة العملية.

الفلسفة الإسلامية ضمن التاريخ العالمي للفلسفة

الفلسفة الإسلامية في سعي الإنسان نحو المطلق بدأتْ مسيرةُ الفلسفةِ في التاريخ، وجاءت الفلسفة الإسلامية إحدى الحلقات الكبرى المهمة في تاريخ الفلسفة العالمي.

صحيح انطلقتِ الفلسفةُ الإسلامية من الفلسفة اليونانية التي سبقتها، لكنها لم تكن ترجمةً يونانية بحروف عربية، ولم تكن تقليدًا للفلسفة اليونانية.

بل أضافتْ وأبدعتْ وأتتْ بجديد، وأخرجتْ للعالم عقولًا جبارةً أثرتْ في كل من أتى من بعدهم من الفلاسفة.

أقول ذلك الحكم وأنا متخصص في الفلسفة اليونانية وأعرف مسائلها وإشكالياتها بدقة.

مناهجُ المعرفةِ عند الإسلاميين: تعددُ الرُؤى الكونيةِ ووَحْدَةُ منهجِ الإثباتِ العقلي

رُؤى كونية متعددة:

جاءتِ الفلسفةُ الإسلاميةُ برؤيةٍ كليةٍ كونيةٍ لله والإنسان والعالم.

لقد تنوعتِ اتجاهاتُ هذه الفلسفة تنوعًا ثريًا، وتعددتْ رؤاها الكونية واتسعتْ مجالاتُها الفكريةُ اتساعًا كبيرًا.

فتكونت مدارسُ الفلسفةِ الإسلاميةِ المختلفة من مشائية وكلامية وعرفانية وإشراقية وحكمة متعالية.

منهج إثبات واحد:

ورغم اختلاف المناهج الفلسفية التي حاولتْ تحقيق الرؤية الكونية لكل مدرسة، من برهانية أو عرفانية أو إشراقية، أو من الجمع بين منهجين أو أكثر من هذه المناهج، إلا أننا نطلق عليها جميعًا مصطلح الفلسفة الإسلامية، لأنها جميعًا –وعلى اختلاف منهاج البحث وطرق الوصول إلى تحقيق الرؤية الكونية– تشترك في منهج واحد، منهج الاستدلال العقلي.

حين تريد كلُ مدرسةٍ أنْ تثبتَ مُدعَيات رؤيتها الكونية إلى الآخرين، يكون حتمًا عليها استخدام منهج الاستدلال العقلي وحده.

التساؤل الأهم: كيف –مثلًا– نعد المدرسةَ الصوفيةَ العرفانيةَ مدرسةً فلسفيةً، وهي ترفض العقلَ أساسًا لرؤيتها الكونية؟!

كيف نعد المدرسةَ الكلاميةَ مدرسةً فلسفيةً، وهي تعتمد في رؤيتها الكونية على ظواهر النص الديني، أعني القرآن العظيم والسنة الشريفة؟!

يتطلب الأمرُ إقامةَ التفرقةِ الدقيقةِ بين مستويين أو مقامين للبحث الفلسفي: مقام الثبوت، ومقام الإثبات.

وهذا هو موضوع دردشتنا القادمة، بإذن الله.

اقرأ أيضاً:

عن أصل الفلسفة أتحدث

أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني أعظم علماء الإسلام في الفلسفة 

مكانة العقل في الفلسفة العربية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج