لكنه توقعاتك
لو حضرتك عطشان جدًا وشربت كوب ماء ستشعر بمتعة كبيرة جدًا! لكن ماذا لو بعد هذا الكوب شربت كوب ماء آخر؟ ستشعر بمتعة أقل.
طيب ماذا لو بعده شربت كوبًا ثالثًا؟ غالبًا لن تكون هناك أي متعة! طيب لا بد أن تشرب كوبًا رابعًا، غالبًا سيتحول الشرب إلى تعذيب وليس فقط شيئًا غير ممتع!
كذلك لو أكلت شيكولاتة، أو نوعًا تحبه من الطعام، أول قطعة ممتعة، لكن بعد القطعة الثالثة أو الخامسة سيكون الأمر مملًا وربما تعذيبًا وقرفًا!
هذا ما يسمى المتعة الحدية (Marginal utility)، استمتاعك بالأمور المادية يتراجع مع تزايدها، وليس العكس.
المشكلة أنك مثلًا لو تحب شراء الملابس أو امتلاك العقارات أو المجوهرات، متعتك بأول الأمر رائعة، لكن مع الوقت يتحول الشراء إلى شيء عادي، تمتلك الشيء، تبحث عن متعة أول مرة لكن لا تجدها، فتعتقد أن عليك شراء مزيد منها، لكن لا تجد المتعة التي شعرت بها أول مرة، وتستمر في الشراء مثل المدمن الذي يبحث عن النشوة التي شعر بها في أول مرة تعاطى فيها المخدر.
تتحول نفسك إلى حفرة سوداء عميقة لا تشبع ولا تمتلئ، تحاول أن تملأ الحفرة بمزيد من الممتلكات ومزيد من المشتريات، لكن يستمر الجوع وتستمر الرغبة في مزيد منها.
لذلك نجد كثيرًا من الأغنياء الفقراء، ليس لأنهم لا يملكون المال ولا الأشياء لكن لأنهم رغم امتلاكهم لكثير لا يزالون جائعين محتاجين، يريدون أشياء أكثر مما يملكون. ينسى الـ99 نعمة التي لديه ولا يفكر إلا في النعمة الواحدة التي يريدها وتحرقه الرغبة فيها حتى تحول حياته إلى تعاسة!
في حين أن هناك الشبعان غير المحتاج، رغم أن حياتهم متوسطة يملك بعض الأشياء وليس كثيرًا، لكنه لا يطمع في مزيد، ليس جائعًا لمزيد من أي شيء، لا يكون في حالة جوع مستمر وعطش مستمر.
حين تتكلم معه تجده مكتفيًا شبعان سعيدًا راضيًا مطمئنًا، يقول لك إنه يملك ما يكفي من صحة وممتلكات، ويحمد الله من قلبه على ما رزقه الله به من نعم.
في حين تجد شخصًا يملك أموالًا أكثر منه وممتلكات أكثر منه، ويحصل على دخل أكبر منه ويعيش في بلد غني، لكنه دائمًا في جوع وفقر، يريد مزيدًا، دائمًا غير راضٍ وجائع وفقير، يفتقر إلى مزيد من الأشياء رغم كل ما لديه!
أريد التأكيد على نقطة: حياتهم متوسطة، لديه ما يكفيه، طبقة وسطى!
يعني ما أقوله لا يعني أن شخصًا يموت من الجوع والفقر والبؤس ضحية الظلم والاستعمار، نعطيه محاضرة عن الرضا والسعادة بما هو فيه من ظلم وكبت وبؤس واستغلال والرضا والاكتفاء!
ولا ما أقوله يعني عدم الطموح في النجاح العلمي والوظيفي والمالي، هذا حق يراد به باطل، ويستعمله الظالمون والاستعمار في بلادنا بمحاضرات فقهاء السلاطين ورجال الدين الحكوميين!
يجب أن تكون طموحًا للأفضل، لكن هذا لا يعني الجوع المزمن في امتلاك أشياء مادية والشراء وعدم الرضا بما أنعم الله عليك من نعم كثيرة.
فقط للتوضيح!
الفارق بين الراضي السعيد والجائع التعيس هو التوقعات! الدافع من الداخل.
حضرتك تسكن في شقة بسيطة جميلة ولها شرفة (بلكونة) فيها بعض الأزهار التي تحبها وترعاها وتسقيها كل يوم!
لو حضرتك ستجلس مع أصحابك في الشرفة أو البلكونة، وأمطرت السماء! سوف يضايقك المطر، وربما تشعر بالتعاسة، لأن جلستك مع أصحابك لم تكتمل!
لكن لو حضرتك سافرت وأمطرت السماء، سوف يسعدك المطر، وربما تشعر بالسعادة، لأن المطر سوف يسقى الأزهار التي تحبها في شرفتك بدلًا عنك!
يعني ما يسعدك أو يحزنك ليس المطر، لكنه توقعاتك!
الدرس: التوقعات والشبع والرضا أمور داخلية تأتي من داخلك أنت، ومن طريقة رؤيتك للأمور من حولك، وليس بكمية الممتلكات ولا المشتريات ولا نوعيتها ولا الظروف من حولك.
مقالات ذات صلة:
الرضا عن الحياة (مفتاح للسعادة الشخصية)
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا