إفطار بطعم الدَّم

فرض الله الصوم على المسلمين كما فرضه على الأمم السابقة لأجل التقرّب، إليه وحتى يتحصّل الإنسان على التقوى والمغفرة والفوز بالرضا وعتق رقبته من النار.

لهذا وجب على كل حيّ أن يحترم غيره؛ غير المسلم يحترم المسلم، والمسلم يتعايش مع غيره من الأديان السماوية، والأمر موصول إلى اللاديني، من أجل ذلك جعل الله الناس شعوبًا وقبائل للتعارف والعيش في سلام وعدم بغي بعضهم على بعض.

شهر رمضان في غزة .. بطعم النار والدم والجوع

في ذات رمضان كنتُ في زيارة لأحد أقاربي في مدينة المنصورة ننتظر المؤذن أن يرفع أذان المغرب، وكان التليفزيون مفتوحًا وإذا بالأخبار المحلية العاجلة تقول بأن غارات إسرائيلية على الفلسطينيين وقت الإفطار، تأثرتُ لهذا الخبر منزوع الرحمة والآدمية، أين المناداة المزعومة بالتعايش جنبًا إلى جنب؟ بل أين القيم والمبادئ والإنسانية؟

إنّ الإنسان السوي لا يقبل الدمار والقتل والتشريد لأي كائن حيّ يوجد في أي مكان على ظهر الأرض، فالأرض كلها لله تحب السلام وتبغض الحرب وإذكاء أوارها، فلماذا الظلم والعدوان والتنكيل من الإنسان لأخيه الإنسان؟!

على مستوى الأسرة، فلو خالف طفل أو أخطأ وحان وقت الطعام فلا يصح ضرْبه أو إهانته على المائدة حتى لا يتعكّر الجو وتنقلب الأمور، فما بالنا بالصائم الذي ينتظر وقت الإفطار، وقت الفرح والجائزة.

إنّ الارتقاء إلى مستوى الإنسانية مهم لنشر السلام والأمن في العالم، وبخاصة المستضعفين في المناطق المنكوبة جرّاء الحروب، وقد وصل بالمحتل الإسرائيلي المراوغة والخيانة وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق، فعندما يتقرّر فتح ممر وطريق آمِن بل ورفع الراية البيضاء الدالة على عدم الحرب ورمز السلام يستهدفونهم ويقنصونهم ليتساقطوا شهداء ويلحقوا بالذين قضوا نحبهم، وحتى المساعدات التي يسمح الكيان المحتل بدخولها، أو التي يتوافق على إنزالها جوًا يُقصف المتجهون إليها، والناجي منهم يعود أدراجه، وقد يُصاب، وفي أحايين كثيرة تُترك الجثث لأيام فتأكلها الكلاب أو تتحلل.

اقرأ أيضاً: أصبحت إسرائيل تبحث عن ديكور

الصلاة في الأقصى

عندما ننتقل بالأحداث والقضية العقائدية والتاريخية القديمة الحديثة (الصلاة في المسجد الأقصى)، وهذه أمنية كل عربي ومسلم، لكننا نرى العجب من الغاشم المغتصب، فدخول المسجد الأقصى له شروط وقواعد ولوائح للتضييق والتشديد، كالبوابات الحديدية الإلكترونية، وتحديد سِنّ معين، واستخراج تصريح، وممكن في النهاية بعد اجتياز العوائق كلها يعود الفرد أدراجه من حيث أتى.

إنّ المساجد لله فلا ينبغي رفع الأصوات فيها أو السخرية منها ومن المصلين، ولا تدنيسها ولا العبث بمحتوياتها، ولا الاعتداء على المصلين الذين يقفون بين يدى خالقهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، لقد تخطى الاحتلال الخطوط الحمراء والقيم والأعراف والحدود كلها، إنه يمنع ذكر الله، ويسعى بالاستقواء بالسلاح وبأحدث آلات الفتك في خراب المساجد وهدمها، بل والكنائس، وبعضها يعود إلى مئات السنين، لأهداف واهية مفتعلة، ويحدث هذا طوال العام وتزيد حِدّته في شهر رمضان المبارك وتحديدًا وقت الإفطار.

اقرأ عن: غزة والغزاة

مأساة خذلان غزة

إنّ التمادي في الغي عاقبته وخيمة مؤلمة في الدنيا والآخرة لأن ذلك محاربة لله ورسوله، وتسود في العالم في الآونة الأخيرة ظاهرة تغليب المصالح على نصرة المظلوم ونجدة الملهوف والأخذ على يد الظالم والانتصار للإنسانية والرحمة، وترك الظالم يفلت من العقاب بل والتفرّج عليه والتلذذ بما يصنع، والاكتفاء بعبارات دبلوماسية قميئة ممجوجة خالية من اتخاذ موقف أو تعبير صادق عن المسؤولية.

التحالفات السياسية أصبحت أقوى من الفضيلة والقيم والمُثل العليا فإذا كانت دولة حليفة وقع عليها الظلم تقوم الدنيا ولا تقعد لمصالح واعتبارات سياسية، أما دولة تاريخية قديمة محتلة مثل فلسطين بها المسجد الأقصى تُنتهك حرماتها ليل نهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع فلا غضاضة في ذلك، وكما قال عبد المطلب عن الكعبة:” للبيت رب يحميه”.

اقرأ أيضاً: القدس في العمق

اقرأ أيضاً: المعجزة الغزاوية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا