مقالات

الهارب

الهروب كلمة كبيرة شاملة وعميقة تحتوي على أحداث وشخصيات كثيرة على مدار التاريخ والعصور، كالهروب من النفس والهروب بعيدًا عن غيرنا كالموطن والمكان.

صور الهروب

الهروب من ضغوط الحياة

صور الهروب

ومع ضغوط الحياة المستمرّة وتشعّبها وتشتيت الذهن ومحدوديته وتشرذم الناس وتفرّقهم، يهرب المرء من بيته بتثاقل المسؤوليات عليه وزيادة الأحمال، وقلّة الدخل وثبات المورد، وعدم إعارة المسؤولين الاهتمام الكافي.

كما يهرب الرجل من البيت في غالب الأحيان بسبب طلبات الأولاد المُتكرّرة التي قد تكون للدروس الخصوصية، أو لشراء الملابس والكِساء، أو الطعام والغذاء، أو الذهاب إلى الطبيب وشراء الدواء الحتمي الذي لا بد منه.

وقد يُبتلى المرء بامرأة لحوح كثيرة السؤال وكثيرة الطلب وكثيرة الكلام، أو تتفنن في الوقِيعة بينه وبين أهله وذويه، أو تُحرّض الأولاد عليه سواء أمامه أو خِلْسَة من وراء ظهره، فتُحدِث فجوة وصَدْعًا بينه وبينهم، فيهرب ليجد شلّة الأُنس والأصدقاء فيجلس معهم على المقهى الذي يراه بديلًا وراحة عن بيته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الهروب من المدرسة

والهروب قد يكون من المدرسة بعدم احتواء إدارتها للطلاب وعدم نشر الاطمئنان والجاذبية والتشويق، أو معاملة الأستاذ للأولاد  معاملة غير تربوية وآدمية، فينفّرهم من غرفة الصف ومن القُرب منه وبالتالي من التعليم كُليّة.

الهروب لطلب الرزق

وقد يكون الهروب بالغُربة لطلب الرزق والعمل الحلال، للحصول على المزيد من الأموال لتغطية مصروفاته وستر بيته، أو محاولة العيش عيشة كريمة هانئة.

الهروب من البلد لبلد آخر

صور الهروبوالهروب من البلد قد يتمثّل في المنافسة السياسية بين الأحزاب المختلفة والأفراد، كهروب زين العابدين بن علي رئيس تونس إلى السعودية بعد الربيع العربي للحفاظ على حياته.

الهروب ضد الحرية

إنّ الهروب ضد الحرية، فالهارب ينزوي ويقبع داخل نفسه كسيرًا حزينًا أولًا، ثم في داخل المكان الذي فرّ ولجأ إليه واحتمى به ثانيا، فهو يخاف من كل شيء حوله، من أي صوت يَرِنّ بجانبه، يلتفت وراءه،

لا يأمن ويسكن في هَدَأَة الليل الطويل أثناء نومه وراحته، ولا يطمئن في النهار أثناء سيْره ومشيه وانتقاله وحركته فينظر يمنة ويسرة كالذي أصابه المَسّ.

الهروب في العصر الحديث

وفي العصر الحديث ومع التقدم المذهل يمكننا وبكل إيجابية أن نصنع مجتمعًا موازيًا للمجتمع الحقيقي، والذي كان باديًا للعيان في الصين إبّان جائحة كورونا، فوجدنا الصين تخلق مجتمعًا آخر عن طريق الإنترنت، بمعنى أنك يمكن أن تقوم بعمل كل شيء وأنت في غرفة نومك،

كالقيام بأعمالك، والتواصل مع أقاربك وأصدقائك، وسداد الفواتير المُستحقة عليك. وقد يتمثّل صناعة المجتمع الموازي والعيش فيه في الإمساك بالموبايل من قِبل الزوج أو الزوجة والأولاد، فنجد كل فرد له عالَمه الخاص به، والذي قفزَ فيه برغبته أو رغمًا عنه، على الرغم من أنهم يجمعهم سقف واحد، ومن هنا تحدث فجوة وتصدُّع داخل الأسرة.

العزلة الشعورية

وقد يكون الهروب من المجتمع الحقيقي وصناعة مجتمع موازٍ بالبعد عن المعاصي والآثام التي تموج في المجتمع كموج البحر المتلاطم، وهذا ما يُسمى بـ(العزلة الشعورية)، وهي انفصال الشخص عما كان عليه من الأخطاء واتصاله بعالَمه النقي، فهو يعيش بجسده فقط وينفصل بروحه وفِكره.

دور الإعلام وجماعة الأصحاب في هروب الناس من عالمهم

صور الهروب

وللإعلام دور بارز في هروب الناس من عالَمهم وانفصالهم عنه، وصناعة مجتمع آخر تمامًا غير الذي يعيشون فيه، وهذا من ضمن مصائب الإعلام بما يقدمه من مسلسلات وأفلام ومسرحيات تحتوي على العُري والتفاهة، وتخريب العقول وإفراغها من القيم النبيلة، فتصبح هدّامة وغير هادفة لبناء فرد سوي ومجتمع صحيح.

والشّلة لها دور كبير في هروب الشاب من عالَمه ودخوله في عالَم الصُّحبة الوهمية غير المسؤولة، السبب الرئيس في هذا قد يكون تقصير الوالدين بالأساس وعدم التأسيس الصحيح في بدايات الطفولة ثم المتابعة، وبكل تأكيد تأتي المدرسة والإعلام كدور ثقافي توعوي مُكمِّل.

وعلينا جميعًا أن نوفّر لأولادنا بيئة حقيقية أو شبه حقيقية بقدر الإمكان، تنمّي قدراتهم وتُثقل خِبراتهم، مع عدم الملل من التوجيه والإرشاد من وقت لآخر، وبث روح التعاون والتسامح والثقة لديهم، لينشأوا معتمدين على أنفسهم تملؤهم الثقة والطموح والأمل في النجاح والمستقبل.

اقرأ أيضاً:

العزلة

الصداقة في الفِكر الصيني

في هذا الطريق ملايين

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر