مقالات

الأمية في عصر العلم والتكنولوجيا: كورونا ومحو الأمية العلمية

تعد الثقافة المحرك الأول لكل تفكير حر وناقد. كما أنها المنبع الرئيس للإبداع وأساس كل رؤية جديدة تسهم في تطوير وتقدم عديد من المجالات المختلفة. لذا فإننا نتفق على أن الأمية الثقافية من المعوقات الأساسية للتفكير السليم، وعليه فإنها أحد الأسباب الرئيسية المعيقة للتقدم في شتى المجالات.

وللأمية الثقافية فروع كثيرة منها على سبيل المثال “الأمية العلمية”، حيث أن ضرورة محو هذه الأمية المنتشرة في كافة أنحاء العالم وخاصة مجتمعاتنا العربية ملحة، وذلك لأن إمكانية اتخاذ قرار سليم في أية قضية علمية مطروحة يتوقف على مدى إلمام الفرد بالحد الأدنى على الأقل من المعارف العلمية.

من هذا المنطلق أعرض في هذا المقال رؤية تزعم أن لجائحة كورونا (كوفيد19) دور كبير في نشر الوعي العلمي لدى العامة، والمساهمة في عملية محو الأمية العلمية لدى فئات شعوب العالم المختلفة.

مفهوم الأمية العلمية:

“الأمية” في قاموس المعجم الوسيط هي: مصدر صناعي معناه الغفلة أو الجهالة، فالغفلة أو الجهالة تعني انخفاض أو انعدام مستوى معرفة الفرد في مجال معين عن المستوى المطلوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بالمعنى الذي تقدم يمكننا أن نطلق على الأمية –بوجه عام – أنها غياب المعارف والمهارات الأساسية الخاصة بمجال معين، من ثم نفهم أن محو الأمية تعني: وصول مستوى معرفة الفرد في مجال معين إلى المستوى المطلوب. وليس المقصود بمحو الأمية العلمية هنا هو تعلم القراءة والكتابة العلمية، بل المقصود هنا هو ضرورة الإلمام بالمعارف والمهارات العلمية الأساسية التي تساعد الفرد على التواصل وفهم الآخرين.

وبالتالي فإن محو الأمية العلمية هو توافر المعارف التي يفترض أهل العلم في زمان ومكان محددين أنها متوافرة لدى غيرهم من الناس. وعلى سبيل المثال: ضرورة توافر الحد الأدنى من المعارف العلمية حول الفيروسات والأوبئة لدى غالبية البشر هذه الأيام في ظل تفشي كوفيد 19.

كورونا وزيادة الوعي العلمي العام:

يتفق كاتب هذه الكلمات مع الفيلسوفة الأمريكية “نورتا كورتجي” في الرأي القائل أن معرفة محتويات العلم الأساسية مفيدة لكل شخص يعيش في مجتمع التكنولوجيا الحديثة.

فإنها ليست مفيدة للأغراض المهنية فقط، ولكن مهمة كذلك لفهم لماذا الحروق بالبخار يمكن أن تكون أسوأ من تلك التي بالماء المغلي، وكذلك لمعرفة شيء عن أسباب انتقال الأمراض، وعلاوة على ذلك، فإن المواطنة في مجتمع ديموقراطي تحتاج إلى أن يكون المواطن قادرا على المشاركة في المناقشات حول قضايا السياسة الاجتماعية التي تنطوي على العلم، مثل سلامة محطات الطاقة النووية، أو الرقابة على استخدام المبيدات الحشرية.

إن ما فرضته علينا جائحة كورونا فور ظهورها يقع ضمن ما أشارت إليه “كورتجي” بخصوص ضرورة الوعي بأسباب انتقال الأمراض، حيث كان من آثار هذه الجائحة زيادة وعي الناس بأساليب الوقاية من هذا الفيروس، فزاد الاهتمام بأمور النظافة الشخصية والالتزام بالتباعد الاجتماعي وقت الجائحة، وضرورة ترك مسافة كافية بين الأشخاص أثناء العمل أو التعاملات اليومية، كما أن العناية بتطهير المنازل أدى إلى رفع الوعي بالأنواع المختلفة للمطهرات، وتركيباتها الكيميائية ونسب الخلط الآمنة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما زاد الوعي بضرورة ارتداء القفازات والأقنعة الطبية الواقية للوجه من انتقال الفيروس، وكذلك ضرورة استخدام الكحولات ونسب التركيز الكافية لقتل الفيروسات والبكتريا، إلخ.

كما أن فيروس كورونا المستجد أسهم على المستوى العلمي في زيادة الوعي بالمعارف التي يحتاج إليها الناس لكي يتمكنوا من المشاركة في مختلف أشكال الحوارات التي سوف تدور حولهم وتشملهم بوصفهم مواطنين، فالحاجة إلى المعرفة لا تزال هي الحجة الأساسية، حيث أسهم هذا الفيروس في رفع الوعي بطرق التعامل مع الوضع الوبائي العالمي الراهن، وطرق انتقال الفيروس وأساليب الوقاية منه، وأعراض الإصابة به، وكيفية محاربته والانتصار عليه، وبروتوكولات العلاج، وغيرها من الأمور التي كان الناس في أمية تامة بها.

متى يصبح العلم قيمة مجتمعية أساسية؟

إن ما يهدف إليه مقالنا ليس الإشارة إلى ما نتج عن فيروس كورونا المستجد من إيجابيات على مستوى الثقافة العلمية العالمية فحسب، بل الإشارة كذلك إلى ضرورة تحرير الناس من أشكال الأمية المختلفة، كالأمية التكنولوجية، وأمية استخدام الشبكات، والأمية الأدبية، والأمية الأخلاقية ليصبح الفرد كائنا اجتماعيا فعالا في عصر العلم والتكنولوجيات الفائقة.

وجدير بالذكر كذلك التأكيد على أن الإلمام ببعض المعارف العلمية الخاصة بطرق نقل الأمراض ليس وحده المعبر عن الثقافة العلمية، حيث إن التعريف العام لمعنى المعارف الأولية العلمية هو: “الإطار المعرفي اللازم لكي يتوافر للمرء فهم كاف عن الكون، بحيث يمكنه التعامل مع جميع القضايا ذات الطابع العلمي التي تعرض له في حياته، سواء عبر الأخبار أو في غيرها”، ذلك الإطار الذي يمكن المرء من الإدلاء بوجهة نظر نقدية قادرة على تقييم الأمور تقييما جيدا دون توجيه.

لقد أثبت فيروس كورونا المستجد لنا جميعا أن للعلم قيمة كبرى في المجتمع، وأنه ليس حكرا على فئة دون أخرى، فالعلم ليس كهنوتا، وإن كانت للعلوم الطبيعية وللعلوم الإنسانية مختصين والتمرس فيها فرض كفاية، فإن الثقافة العلمية -في نظرنا- فرض عين على كل إنسان بالغ عاقل. فلابد أن يتسلح جميع الناس بالثقافة العلمية ويصبح العلم قيمة مجتمعية أساسية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

كهنوت العلم

العلم في مقابل مهارة التواصل مع الآخرين

ميزان العلم

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب

مقالات ذات صلة