أسئلة عامةمقالات

الصحة النفسية، تعريفها، أهدافها، أسبابها، وكيفية تعزيزها

لا يشك أحد في أن حالة الصحة النفسية هي هدف يسعى إليه الجميع، ويبذلون في سبيله الوقت والتفكير وحتى المال!

فما هو مفهوم الصحة النفسية، وما أهميتها، وما مظاهرها، وما هي العوامل التي تؤثر فيها، وكيف يمكن تعزيزها في المجتمع؟

كل ذلك سنتناوله في مقالنا.

تعريف الصحة النفسية

تعرّف منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز.

بناء على ذلك فإن الصحة النفسية لا تعني مجرد الخلو من الاضطرابات النفسية!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكنها تعرّف على أنها حالة العافية التي يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الذاتية، ويستطيع مواكبة ضغوط الحياة العادية، ويكون قادرًا على العمل الإيجابي والمثمر، ويمكنه الإسهام في مجتمعه.

وإذا نظرت لهذا التعريف تجده يبدأ أولا بالكلام عن تكريس القدرات الذاتية، بمعنى التمكن من الاستفادة منها وتوجيهها، والذي ينتج عنه التعامل الصحيح مع الضغوط الحياتية وخدمة المجتمع.

وقدرات الإنسان الذاتية تشمل من أهم ما تشمل عقله وضميره ونفسه أو روحه.

ولذلك سلامة العقل من التفكير غير المنطقي والأفكار الهدامة السلبية، وسلامة الضمير والنفس من الشوائب الأخلاقية الفاسدة، هي مقدمات مهمة لتحقيق حالة الصحة النفسية.

ما الفرق بين الصحة النفسية والصحة العقلية؟

يمكنك النظر إلى الصحة العقلية كجزء من الصحة النفسية.

الفرق بين الصحة العقلية والصحة النفسية يكمن في أن الصحة العقلية تعني صحة التفكير وسلامته، والتي ينتج عنها حسن التصرف في المواقف المختلفة، والحفاظ على العلاقات الاجتماعية، والتمتع برؤية صحيحة للحياة والعالم والنفس.

ويتضح من تعريف الصحة النفسية أنها تشمل مع الصحة العقلية بمعنى صحة التفكير والأفكار وغياب الأوهام والهلاوس، تشمل أيضا صحة الضمير وصحة توجهاته نحو الحق والخير والعدل، وسلامة النفس من الأمراض الأخلاقية ومن القلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض.

معايير ومظاهر الصحة النفسية

الصحة النفسية والعلاج النفسيحالة الصحة النفسية هي الحالة التي يستطيع فيها الفرد الاستفادة من قدراته الذاتية وتوجيهها كما أوضحنا سابقا، لذلك فإن مظاهر الصحة النفسية تتلخص في قيام كل مكون من مكونات النفس الإنسانية بدوره ووظيفته بشكل صحيح وفي تناغم مع باقي المكونات.

فيكون عقل الإنسان هو الحاكم على إدراكه وعلى سلوكه، فتكون مدركاته صحيحة وأفكاره ورؤاه واعتقاداته صحيحة، وكذلك إرادته تتحرك نحو الخير والحق والمواقف الصحيحة بعد الشوق وتحرك المشاعر بالميل نحوها.

هذا هو الوضع الطبيعي للإنسان وهذه هي معايير الصحة النفسية.

مظاهر الصحة النفسية

هذه الحالة تكون نتيجتها مظاهر الصحة النفسية ومنها:

  • فهم العالم المحيط بشكل صحيح، والتمكن من التعامل معه.
  • بناء علاقات جيدة مع الآخرين.
  • الاتساق بين الأفكار والسلوكيات، فلا يقدم على ما يناقض أفكاره واعتقاداته.
  • المرونة والتخلص من الثنائية غير الصحيحة والمبالغات.
  • القدرة على التعامل مع الضغوط والمتغيرات الحياتية.
  • فهم الذات والسعي إلى تطويرها.
  • الاستفادة من الخبرات السابقة والتجارب المختلفة.
  • القدرة على اتخاذ القرارات.
  • القدرة على التحكم في النفس وضبط السلوكيات والانفعالات.

العوامل المؤثرة على الصحة النفسية

نفس الإنسان تعلقت بجسده وارتبطت به، ثم ولد الإنسان في بيئة أو مجتمع عاش فيه وتأثر به، ويمتلك الإنسان كذلك عقلا وقدرة على الاختيار الحر.

هذه الحالة الإنسانية تجعل هناك الكثير من الأسباب والعوامل التي تؤثر على الصحة النفسية، منها:

1.   عوامل وأسباب بيئية واجتماعية:

وجودك في بيئة تتعرض فيها لضغوط مستمرة قد يكون له أثره في إصابتك بالقلق المرضي، وكذلك كثرة الإخفاقات قد يساهم في إصابتك بالاكتئاب.

كذلك المجتمعات التي ينتشر فيها العنف ويتعرض أفرادها للتعنيف المستمر تظهر فيها اضطرابات الشخصية وينتشر الغضب. وكلها طبعا مظاهر لغياب الصحة النفسية.

مع التأكيد على أهمية دور التربية في حفظ الصحة النفسية، التعرض لمواقف سلبية خاصة أثناء الطفولة يكون له أثره الكبير على الشخصية.

2.   عوامل وأسباب عقلية ومعنوية ونفسية:

من أهم ما يؤثر في الصحة النفسية العوامل العقلية، وهو اتجاه تم التنبه له ولدوره الكبير في العلاج النفسي.

فتمتع الإنسان بالتفكير المنطقي العقلاني، وامتلاكه لأفكار وقناعات صحيحة، وارتباطه بمعنى وغاية لحياته وتحركه بناء على هذه القناعات بشكل اختياري، وممارستها في سلوكه بإرادة قوية، من أهم ما يحفظ على الإنسان حالة الصحة النفسية ويقيه من الأمراض النفسية والاضطرابات المختلفة.

وهو ما يعمل عليه المعالجون في مجال العلاج المعرفي السلوكي.

وذلك في مقابل أنماط التفكير غير الصحيحة كالمبالغة والتعميم، والتي ترتبط بالقلق المرضي والاكتئاب مثلا.

وفي مقابل حالات فقدان المعنى والغاية من الحياة، التي تجعلك أكثر قربا من الاضطراب النفسي وربما حتى تدفع إلى الانتحار!

وفي مقابل الوقوع أسيرا لدى القناعات الخاطئة، كأن تعتقد أن التعبير عن الحب لا يكون إلا بالموافقة الدائمة وعدم الاختلاف مع الآخر الذي تحبه، فإن هذه الفكرة كفيلة بتدمير علاقاتك ومن ثم صحتك النفسية!

وكذلك في مقابل الوقوع في فخ العادات والممارسات الخاطئة والسلبية، والتي أيضا تقربك من الاضطراب النفسي.

وغيرها من الأمثلة على أهمية ودور العوامل العقلية وتأثيرها على صحتك النفسية.

3.   عوامل وأسباب جسدية:

الصحة الجسدية بالتأكيد لها دورها في الصحة النفسية، فهناك بعض الأمراض الجسدية التي ترتبط بالمرض النفسي مثال أمراض الغدد واختلال كيمياء المخ.

بالإضافة إلى العامل الوراثي، فالجينات تنقل الاستعداد لبعض الاضطرابات النفسية.

كذلك فإن تناول طعام صحي متوازن والحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة الرياضة، كل ذلك ينعكس على الصحة النفسية ويؤثر فيها.

تعرف على التفكير في علم النفس وأنواعه وخصائصه

اقرأ أيضاً تغييب الوعي لا شعوريا واستيراد الطاقات السلبية

تعرف على علاج اضطرابات الأكل النفسية

أهمية وفوائد الصحة النفسية وأهدافها

حالة الصحة النفسية هي الحالة التي يتمكن فيها الفرد من الاستفادة من قدراته وإمكاناته واستعداداته بأفضل طريقة. الإمكانات والاستعدادات العقلية والنفسية والجسدية بالطبع.

أنت لا يمكنك أبدا الاستهانة بهذه الطاقات العظيمة، فلو وفق الإنسان لاستغلالها والاستفادة منها لفاق الملائكة!

وبذلك تتضح أهمية الصحة النفسية، فهي الحالة التي تحسن فيها فهم نفسك والعالم من حولك وتحسن التعامل مع نفسك ومع غيرك!

ويمكننا الحديث عن الكثير من فوائد الصحة النفسية وأهدافها، ومنها:

  • فهم الذات بشكل صحيح، والتعامل معها ومع أخطائها وعيوبها بشكل صحيح، والسعي لإصلاحها وتطويرها.
  • امتلاك معرفة سليمة بالواقع من حولك، ما ينعكس على تعاملك معه بداية من الخالق نزولا إلى المخلوقات جميعا.
  • الانطلاق في الحياة والتمتع بالتفاؤل والأمل والهمة العالية والإرادة القوية والشغف للإنجاز وخدمة المجتمع.
  • التمتع بالصحة الجسدية، فمن المعروف وجود الارتباط بين الصحة النفسية والصحة الجسدية.
  • أن الأشخاص الأسوياء والأصحاء نفسيا أقدر على تربية وتنشئة أطفال أسوياء.
  • شيوع حالة الصحة النفسية في المجتمع يثمر انسجامًا وتعاونًا وتكافلًا وسلامًا بين أفراده، ما يجعله مجتمعا منتجا مطمئنا يقل فيه العنف والفساد والانحلال.

الصحة النفسية في المجتمع

الصحة النفسية والعلاج النفسي

لا شك أن مجتمعا يتمتع أفراده بالصحة النفسية هو مجتمع منتج يحيا أفراده في أمان.

ويمكننا تلخيص أهمية الصحة النفسية في المجتمع فيما يلي:

  • انتشار العلاقات الصحية السليمة، ما ينعكس سعادة واستقرارًا على أفراد المجتمع.
  • تحرك المجتمع بكامل طاقاته نحو الأفضل والخير، والتكامل في كل المجالات العلمية والفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
  • انخفاض معدلات الجريمة والعنف.
  • انخفاض معدلات الطلاق والتفكك الأسري.
  • شيوع حالة التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع.
  • تقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، فلا تجد الغنى الفاحش والفقر المدقع.
  • وضوح أولويات المجتمع في الاهتمام بأفراده وتلبية احتياجاتهم روحيا ومعنويا وكذلك ماديا.
  • انخفاض معدلات الإدمان.
  • انخفاض حالات التشرد والتسول.

لكن كيف يتم تعزيز الصحة النفسية في المجتمع؟

لا بد أن يتحرك المجتمع بكل مؤسساته من أجل ترسيخ حالة الصحة النفسية في أفراده، وذلك يشمل:

1.   دور الأسرة :

لا بد من توعية الزوج والزوجة بأهمية الصحة النفسية للطفل، ويتم توفير برامج تدريبية وتثقيفية للتأكيد على هذا الجانب وكيفية الحفاظ عليه وتنميته، فبالتأكيد تصورات الأم والأب وسلوكياتهما هي من المؤثرات المهمة جدا وذات التأثير العميق على شخصية الطفل ونفسيته.

2.   دور المدرسة:

لا بد أن يعي المعلم والمعلمة أهمية دورهما في بناء شخصية الطفل، وبالتالي حساسية تأثيرهما على الصحة النفسية للطفل الذي هو مواطن المستقبل.

مع توفير البرامج التدريبية لتعريف المعلمين بمفهوم الصحة النفسية والعوامل المؤثرة فيها وكيفية الحفاظ عليها.

3.   دور الفن:

الفن بأنواعه المختلفة يدخل كل بيت ويؤثر في كل إنسان تقريبا، ولذلك لا يمكن إغفال دوره في توضيح وإطلاع المجتمع على تعريف الصحة النفسية والتأكيد على عناصرها المختلفة، من صحة عقلية تشمل صحة التفكير والأفكار وصحة الضمير والمشاعر وتوجهها نحو الحق والخير، وتوفير الأعمال الفنية التي تزرع القيم والأفكار الإيجابية وتحارب السلبية.

4.   دور النخب:

النخب هم الأشخاص المؤثرون في محيطهم، ولهم دور كبير لأنهم في الحقيقة يقودون المجتمع!

لذلك عليهم توعية مجتمعهم أولا بمفهوم الصحة النفسية، وكونها تشمل صحة الأفكار وصحة القيم والمشاعر وصحة توجهات الإنسان، وثانيا التوعية بالأفكار والقيم الصحيحة ومحاربة الفساد الفكري والأخلاقي.

مع الانتباه إلى خطورة دورهم في أن يكونوا قدوة لغيرهم، يقلدهم الصغير والكبير، فعليهم أيضا تمثيل وممارسة هذه الأفكار والقيم الإيجابية.

5.   دور وسائل الإعلام:

نحن نعيش في عصر يوجد فيه تليفزيون وهاتف نقال أو موبايل في كل منزل، ولذلك فإن وسائل الإعلام لها دور كبير في تعميق وترسيخ مفهوم الصحة النفسية.

وكذلك العمل على زرع الأفكار الصحيحة ومحاربة الخاطئة المنحرفة، وليس فقط زرع الأفكار بل أيضا طرق التفكير المنطقية والقيم الإيجابية.

ما ينعكس حالة من الصحة النفسية تشمل المجتمع كله.

6.   دور رجال الدين:

الدين هو المعتقد الذي يؤمن به الإنسان وينطلق منه في سلوكياته المختلفة، ولذلك فالدين نفسه الذي يدين به الفرد له تأثيره العميق على صحته النفسية بما يحويه من أفكار ورؤى.

ورجال الدين لهم مكانتهم الخاصة في قلوب أفراد المجتمع، ما يجعل لهم دورا مهما أيضا في توصيل أفراد المجتمع إلى حالة الصحة النفسية والتصدي للتشوهات الفكرية والأخلاقية التي تؤثر سلبا على الصحة النفسية.

 

ختاما فإن الوصول إلى حالة الصحة النفسية بما تشمله من صحة عقلية تعني صحة الأفكار والتفكير، وصحة الضمير والمشاعر بما يعنيه من التوجه نحو الحق والخير والتعلق بهما، هذه الحالة تستحق منا جميعا السعي إليها، فبها يمكن للإنسان تحقيق السعادة.

دمتم أصحاء وسعداء.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية