مقالات

ما هي القيمة الحقيقية للإنسان الحر ؟

من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الثالث)

تحدثنا في المقالتين السابقتين عن نماذج مختلفة يفسر الكثير من الناس قيمتهم من خلالها، وحان الوقت لنحاول مناقشة الأمر وتحليله للوصول لقيمة الإنسان الحقيقية.

المقصود بالقيمة هو القدر والمكانة، وقيمة الشيء تتحدد بناء على وظيفته، فعلى قدر أدائه لوظيفته بصورة تامة تكون قيمته.

فإننا نقول أن الكرسي قيّم ويستحق ثمنه إن حقق وظيفته على أكمل وجه، ونقول أن الكتاب قيّم إن حقق دوره في توصيل المعلومة الصحيحة وهكذا.

وعندما نتحدث عن قيمة الإنسان فلا بد إذاً أن نتحدث عن وظيفته في هذا العالم أو كما يقول الفلاسفة “الغاية من وجوده” أو “علة وجوده”

الغاية من خلق الإنسان

حيث يؤكد أرسطو على ضرورة وجود الغاية أو “مبدأ الغائية”، فطالما يوجد شيء على هيئة ما فحتماً هناك غاية من ذلك مستنداً على قانون العلية  “لكل معلول علة” فيقول:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

” إن كل ما ينشأ نشأة سليمة إنما ينشأ من أجل هدف معين؛ فكل ما يؤدي إلى شيء جميل قد نشأ نشأة صحيحة، وكل ما ينشأ أو قد تم نشوؤه بالفعل ينتج شيئاً جميلاً، حين تتم العملية الطبيعية بصورة سوية، ويمكننا أن نتبين هذا من ملاحظة كل جزء من أجزاء جسمنا على حدة، فإذا تأملت الجفن مثلاً وجدت أنه لم يتكون عبثاً ولغير هدف، وإنما وجد لحماية العينين وتوفير الراحة لهما والحيلولة دون نفاذ شيء من الخراج إليهما، وحتى في الأشياء الطبيعية والصناعية فإنها قد تكونت لتحقيق هدف معين، فعندما يتم بناء سفينة لنقل البضائع عن طريق البحر يكون الهدف المقصود من بنائها قد قُدم بالفعل” 1

وكما يقول توفيق الحكيم: “كل شيء في الوجود عندما يؤدي وظيفته جيداً فإنما يحقق الغاية من وجوده”.

وطالما أن الإنسان موجود فلا بد من وجود غاية من خلقه، وبما أنه متفرد بميزة عن سائر المخلوقات فحتماً الغاية من وجوده تتعلق بتلك الميزة، وإلا لما وجدت من الأساس.

ما السمات التي تميز الإنسان؟

قيمة الإنسان

الميزة الأولى هي امتلاكه العقل، وهو القدرة على الفهم والاستيعاب للمعاني والأفكار كالعدل والأمانة والكرامة، وقدرته على التحليل والوصول إلى استنتاجات جديدة يصل بها إلى شيء مجهول كحل مشكلة أو إجابة سؤال.

الميزة الأخرى التي يمتاز بها الإنسان هي “حرية الاختيار” ليست حرية مطلقة بالطبع ولا حرية تتعارض مع الإرادة الإلهية ولكنها ميزة حقيقية يتمتع بها الإنسان وحده.

فأنت أمامك كم هائل يومياً من الخيارات والبدائل وحتى أنك تمتلك حرية التصرف تجاه ما فُرض عليك ولك مجال في إمكانية تغييره والتأثير فيه.

فغاية وجود الإنسان إذا تتعلق بقدرته العقلية الفريدة وتتعلق أيضاً بحرية الاختيار، وبما أن القيمة تتحدد بالوظيفة، فقيمة الإنسان تتحدد بمدى استخدامه لعقله ومدى تصرفه بما يمتلك من إرادة حرة.

مفهوم الإنسان

هل معنى ذلك أن الناس متساوون في القيمة طالما أن الكل يمتلك العقل ويمتلك الإرادة الحرة؟

بالطبع لا، لأن الجميع لا يستخدم عقله بالشكل الصحيح، ولا إرادته بالطريقة الصحيحة التي تؤهله لمقامه فعلاً.

فهناك فرق بين الإنسان كمفهوم والإنسان كمصداق ومثال، فأنا وأنت وجميع الناس مصاديق وأمثلة لمفهوم الإنسان، ومفهوم الإنسان هو الصورة التامة المفترض أن يتكامل الإنسان في حياته للوصول إليها.

وبقدر تكامل كل منا لمفهوم الإنسان تتحدد إنسانيته وقيمته الحقيقية.

عزيزي القارئ لا تنخدع بالكم الكبير من المغالطات والأفكار الخاطئة التي توهمك أن قيمتك مرهونة بالناس أو الممتلكات والأموال أو الجمال الخارجي والشهادات والمناصب، فقيمتك لا تنبع من خارجك، بل تنبع من داخلك أنت.

وعندما تشهد هذه الحقيقة وتبصر قيمتك الحقيقية وتسعى في رحلتك لتحقيقها فلن يستطيع أحد أن يسرق منك نفسك، وستتمكن حينها من الوصول للسلام الداخلي الدائم.

قيمة الإنسان الحقيقية

قيمة الإنسان

إنسانيتك ثابتة ولا تتزعزع طالما تسير في طريق تكاملك وفق إطار قدراتك وظروفك، وقيمتك تكون بمدى سعيك لتحقيق أقصى استخدام سليم لعقلك ومدى اتباعك الحر للحق وعملك الحر للخير.

أي تتحدد القيمة بما تقوم به من تفكير سليم وما تفعله بإرادتك الحرة.

ومنتهى التفكير السليم أن يصل بك لحقيقة الوجود ومصدره وهو الإله، ومنتهى الاختيار الحر هو التوجه بكليتك إليه.

فلا تظلم نفسك وتعلق قيمتها بما لا يليق بها، ولا تضيع فرصة تحقيق قيمتك الحقيقية كإنسان.

————–

1 : كتاب دعوة للفلسفة – أرسطو

اقرأ أيضاً:

من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الأول): هل قيمة الفرد تستمد من الآخرين؟

من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الثاني): هل قيمتنا تستمد من الأموال والشهادات والمناصب؟

حقيقة السعادة الانسانية

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة