ما أكلتش رز!… كيف وصل مجدي لهذه الدرجة من البدانة؟
الفيلم العربي… معاناة البدانة
منذ عدة سنوات، شاهدت فيلمًا عربيًا تدور أحداثه في إطار كوميدي حول أحد الأشخاص الذين يعانون من البدانة المفرطة، حيث استعرض الفيلم معاناة شاب بدين عاشق للطعام سببت له سمنته المفرطة الكثير من المشاكل الصحية والصعوبات الاجتماعية والتي لم يجد مفرًا منها إلا بالتهام المزيد والمزيد من صنوف الطعام المختلفة مما أوقعه في حلقة مفرغة من الطعام و البدانة والاكتئاب لم يستطع الفكاك منها.
إلا أن ألطف المواقف التي علقت في ذهن المشاهدين، عندما تفاجأ بطلنا بحلول شهر رمضان المبارك في الغد وكيف أنه لم يهيء نفسه للمعاناة الطويلة التي سيلاقيها حتما في النهار نتيجة حرمانه من متعته الكبيرة وهي الأكل والشرب، حتى أنه صرخ بأعلى صوته عند سماعه لأذان الفجر رغم تناوله في السحور كميات كبيرة من صنوف الطعام المتنوعة .. “ما أكلتش رز، ما أكلتش رز! ” .
النفس البشرية وصراع القوى بداخلها .. البدانة نموذجا
“مجدي” بطل الفيلم يمثل نموذجا لكثير من البشر الذين يشتعل في داخلهم صراع لا ينتهي بين عدة أنواع من القوى النفسية، أولها قوة الرغبة أو الشهوة كما يطلق عليها علماء الأخلاق؛ وهي قوى هامة وضروية في حياة كل إنسان، فبها نشعر بالجوع لاحتياج جسمنا إلى الطعام كي ينمو ويكتسب الطاقة للحركة والنشاط، وبها نشتهي الراحة كي يجدد جسمنا نشاطه وعافيته بعد بذل المجهود الشاق، وبها نرغب في الارتباط بالجنس الآخر وفي ذلك تكاملنا الجسدي والمعنوي والحفاظ على النوع البشري. النوع الثاني من هذه القوى هي القوة الغضبية؛ وهي التي تشعل في داخلنا نيران الغضب كي ندفع عن أنفسنا الظلم ونرفض أن تُمس حقوقنا أو كرامتنا بغير وجه حق وبها نشعر بالخوف عند اقتراب خطر ما منّا. والنوع الثالث هو قوة العقل التي بها ندرك حقيقة أنفسنا واحتياجاتنا الحقيقية ونتعرف بها على الواقع من حولنا ونميز بها الصواب من الخطأ. في داخل كل منّا يشتعل الصراع بين تلك القوى الثلاث ويتحدد مصير الإنسان تبعا للغالب والمسيطر من هذه القوى.
ما يعيب قوتي الشهوة والغضب رغم أهميتهما افتقادهما للقانون والميزان الذاتي اللازم لتحديد الحد الذي يجب أن تتوقف عنده عن ثورتهما وجموحهما. فشهوة الأكل والراحة والجنس قد تتحكم في إنسان ما لتتسافل به دون المستوى الحيواني وتوقعه في المرض والكسل والظلم، وكذلك قوة الغضب قد تؤدي لاختراعات مدمرة يُقتل بها مئات الآلاف من الأبرياء. لذلك وهب الخالق للإنسان العقل الذي يستطيع باتباعه لقوانين التفكير المنطقي فهم الواقع وتحديد الحقوق والواجبات.
طريق الانحدار
ما حدث لـ”مجدي” في بادئ الأمر أنه أسلم لقواه الشهوية زمام القيادة لتتحكم في القوتين الأخريين، فكان على عقله أن يتفنن في توفير أصناف مختلفة ومتنوعة من الطعام وبكميات كبيرة لملئ معدته الضخمة، وأن يخطط لخداع صديقته التي تعرف عليها عبر الإنترنت حتى لا تنفر من جسمه الضخم وأن يكون بقربها أطول وقت ممكن حتى وإن كذب وتحايل. ويجب على العقل بالطبع خلال أدائه لفروض الطاعة والولاء لقواه الشهوية المقدسة أن لا يزعجها بالتفكير في عواقب أفعاله، أو بالاتعاظ بنصائح خاله الذي سبقه في هذا الطريق المظلم وعانى كثيرا بسبب بدانته على المستوى الصحي والاجتماعي. بل على عقله أن يستعمل خياله بحيث يوهم نفسه أنه سيستطيع “بطريقة ما” أو “بمعجزة من السماء” أن ينجو من عواقب أفعاله رغم بداهة خطأ الطريق الذي ينحدر فيه يوما بعد يوم. بل يمكن أن يصل الأمر بالعقل لأن يضفي القدسية على تلبية الشهوات، فمثلا شهر رمضان المبارك الذي هو شهر لمجاهدة النفس وتزكيتها، أصبح موسما لتناول كميات أكبر من الطعام عن باقي الشهور والإفراط في الكسل ومشاهدة المسلسلات الدرامية والبرامج التي تثير الغرائز.
وبالنسبة للقوى الغضبية فعليها أن تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يقف في طريق تلبية رغباته المقدسة، أو أن يقدم له النصيحة المخلصة أو أن يخرجه من أوهامه وتخيلاته التي تُصور له أنه ضعيف ومجبور على السير في هذا الطريق وأن لا أحد يُقدِّر ظروفه ومعاناته، أو أنه ما زال في العمر الكثير لكي يستجمع قواه ويبدأ في رحلة العودة الشاقة.
للأسف “مجدي” ليس حالة فردية في مجتمعاتنا، فهناك “مجدي” الذي تسيطر عليه شهوة المال وهناك “مجدي” العابد لشهوة السلطة، و”مجدي” المنسحق لشهواته الجنسية أوإدمان المخدرات. إلا أنه لحسن الحظ استطاع بطلنا في الفيلم أن يكسر مسلسل التدهور ويعود، فكيف حدث هذا يا ترى؟ ربما لم يوضح الفيلم بدقة كيف حدث هذا التغير الكبير، لذلك سنلجأ لعلماء النفس والأخلاق لتوضيح “الوصفة” او “الروشتة” التي يجب اتباعها للنجاح في ذلك.
طريق الانتصار على البدانة
على الإنسان في البداية أن يتخيل قواه الشهوية والغضبية كخيول برية قوية جامحة لا ترضى بسرج أو رباط يقيد رغبتها في الانطلاق في كل اتجاه وفي كل وقت. وأن نتخيل قوانا العقلية كمروض خيول مبتدئ يحتاج إلى الكثير من الصبر والتخطيط والتجربة والخطأ لكي ينجح في مهمته.
في البداية يجب أن يبدأ العقل بفهم صحيح لأنفسنا واحتياجاتها الحقيقية وقدراتها الحالية، وأن يعرف أن طريق العودة يبدأ صعبا ثم تقل صعوبة السير فيه شيئا فشيئا لأن قدراتنا ستنمو مع مرور الأيام.
وأما بالنسبة للحصانين، فعلى العقل أن يلبي الحد المعقول والمتزن لرغبتهما في الحركة والانطلاق، فلا يصح أن يمنعهما الحركة مطلقا وإلا أدى ذلك لقتلهما، وفي ذلك نهاية للإنسان ككائن فاعل إيجابي ومتطور في المجتمع. أيضا يجب أن يطعم خيوله الجامحة طعاما خاصا يناسبهما. فطعام القوى الشهوية هو صور خيالية لنفسه يسيطر فيها على شهواته؛ فيصبح جسده سليما قويا خاليا من أمراض السمنة و البدانة، وضميره مرتاحا هانئا؛ فتشتاق هذه القوى للسعادة الحقيقة بدلا من السعادة الوقتية الضارة. ولا يكفي ذلك لترويض القوى الشهوية، بل عليه أن يراقبها باستمرار. فإن انتابتها إحدى نوبات الهياج والثورة بما يتعدى الحدود المرسومة لها فعليه على الفور أن ينشط القوى الغضبية بإطعامها صور خيالية عن المعاناة والمخاطر التي يمكن أن تحدق به إذا ترك العنان لقواه الشهوية؛ فيثور غضبه على شهوته فيردعها ويطفئ ثورتها. وبتكرار ذلك يكتسب العقل المزيد من المهارة في توظيف قوة وطاقة هذه القوى لتحقيق أهداف الإنسان الهامة في الحياة والوصول إلى السعادة الحقيقية
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
.