مقالاتقضايا شبابية - مقالات

العلوم النظرية والعلوم التطبيقية.. أيهما أهم؟

إذا أمعنا النظر قليلا فى أنظمة التعليم الحالية وحاولنا فهم رؤيتها لـ ” العلوم ” وتقييمها لما هو قيم ونافع، ويستحق أعلى الدرجات للالتحاق بكلياته وما هو أدنى نفعا ولا يحتاج للكثير من الجهد للالتحاق به وقمنا بتحليل وتفكيك الثقافة السائدة عن من هو حقا ” المتعلم وغير المتعلم ”

وعن مكانة الطبيب أو الفيزيائى أو المهندس فى مقابل مكانة المفكر أو الفيلسوف أو عالم الدين والاجتماع، أظن أننا سنتمكن حقا من فهم لماذا نعانى من شبه انعدام الوعى فى مختلف المجالات “السياسية والاقتصادية والفكرية والدينية”

وسنتمكن أيضا من معرفة أسباب سوء الإدارة وضعف الرؤية المستقبلية وصعوبة إدارة الأزمات فى مختلف المؤسسات، وسنتمكن أيضا من فهم لماذا الطبيعة وما عليها من كائنات مهددة بانقراض النصف الذى لم ينقرض بعد!

وسنتمكن أيضا من فهم لماذا تحول الإنسان إلى سلعة ولماذا أصبحت السلع والأدوية وكل سبل الراحة محتكرة من قبل أصحاب رؤوس الأموال وغير ذلك من أزمات هى فى الأساس نتاج نظم تعليمية وثقافة مجتمعية لا تضع الأشياء فى موضعها الصحيح ولا تعطى الأشياء حق قدرها. وفيما يلى سنحاول أن نستعرض بعض النقاط التى توضح ما نرمى إليه…

القاعدة الأساسية

لا يخفى على أحد أن كثيرا منا يتعلم لما يقرب من 21 سنة منذ المرحلة الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة طلبا لمكانة اجتماعية مرموقة وعائد مادى “محترم”،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فهذه القاعدة هى أساس اختيارنا وتفضيلنا لكلية ما على الأخرى بجانب القليل من الشغف والحب لما ندرسه -الأمر النادر حدوثه بسبب طبيعة الطريقة التى نتلقى بها العلم-

هل يوجد فارق بين المعلم وغير المتعلم؟

وبالرغم من سذاجة هذه القاعدة وبداهة عوارها -ليس فقط لأنها ترى العلم كوسيلة للربح والمكانة ولكن أيضا لتحديدها الوسيلة الخاطئة للوصول للهدف- فقد أغفلت أن هذه السنين الطويلة يمكن أن تجعل من هذا الطالب تاجرا كبيرا فى أى مجال شاء

دون الاستمرار فى هذه المنظومة ودون إكمال دراسته، فيبدأ كصاحب حرفة ويظل يعمل بها حتى تزداد خبرته بالعمل وتعلمه الحياة مهارات التواصل والبقاء.

ومع مرور الوقت تتحول هذه الخبرات لكنز يمكن من خلاله عمل شركته أو مزرعته أو مصنعه الخاص وبذلك يحصل على مراده “المال الوفير والمكانة المرموقة” بدلا من إهدار كل هذا الوقت والجهد والمال فى سبيل تعلم القراءة والكتابة،

وبعد التخرج يبدأ رحلة العمل وتحصيل الخبرات والمهارات اللازمة لسوق العمل، ففى هذه الحالة لا يوجد فارق كبير بين خريجي الجامعات وأصحاب التعليم المتوسط أو حتى غير المتعلمين…

الرؤية واحدة رغم بعض الاختلافات

سيقول البعض ولكن ماذا عن الفارق فى الثقافة والوعى نتيجة للاختلاط بالمثقفين والأساتذة الجامعيين والمعيدين؟

بالتأكيد هناك فارق ولو أنه ليس بالقدر الذى يجعلنا نقر بأن وجودنا فى المنظومة التعليمية أفضل بكثير من عدم وجودنا بداخلها، ودليل ذلك أن معظم الخريجين مفهومهم عن الحياة وما ينبغى على الإنسان فعله بها،

لا يختلف كثيرا عن غير المتعلم أو غير الجامعى إلا فى بعض التفاصيل البسيطة ولكن رؤيتهم تكاد تكون واحدة وهى “جمع أكبر قدر من المال من أجل الزواج وإدخال الأطفال أفضل مدارس وتعليمهم أفضل تعليم وإطعامهم أفضل أنواع المأكولات والمشروبات…”

فالاختلاف يكون فى اللهجة والأسلوب وطريقة المعيشة ولكن الغاية والرؤية واحدة، وهذا أيضا نتاج أنظمة تعليمية لا تساهم فى صناعة عقلية محللة مفكرة منتجة للفكر بل مجرد وعاء ناقل للمعلومات فهم كـ “الحمار الذى يحمل أسفارا” فالنتيجة واحدة وهى الاتباع الأعمى للثقافة المادية السائدة،

ضرورة التعلم الذاتي

وبما أن التعليم لا يوفر لنا أكثر من حمل الأسفار فالتعلم الذاتى هو الملجأ الوحيد للباحث عن العلم، الواعى بأهميته، والأهم من ذلك هو تغيير الطريقة التى اعتدنا التعلم بها وذلك باستخدام العقل كأداة للتحليل لا للتحصيل والحفظ، فالمعلومات لا فائدة منها إذا لم يقم الإنسان بتحليلها واستخلاص ما ينفعه ويعينه على فهم الحياة بشكل أفضل، ولكن كيف؟

بتعلم ما يسمى بعلم “نظرية المعرفة” وهى تجيب عن أسئلة من قبيل “كيف نعرف” “ما هى المصادر الموثوقة للمعلومات” “ما هو المنهج الذى يمكننى من خلاله إدراك الواقع بشكل سليم” والعلم الثانى الذى لا يجب التعمق فى أى علم بدونه هو علم “المنطق”

وهو يجيب عن أسئلة من نوعية “كيف نقيم ما نعرف ونتأكد من أننا على صواب؟” “كيف نحصل على الدليل؟” “كيف يمكن التفرقة بين ما هو قطعى وظنى ونسبى” “كيف يمكن تكوين مفاهيم صحيحه عن الحياة “الحرية، النجاح، الدين، السعادة”  .

أى العلوم نحتاج الأن؟

يرى البعض أن أقسام العلم المرتبطة بالجانب العلمى والعملى والتكنولوجى كـ “الفيزياء، الكيمياء، علوم الحاسب، الهندسة…” أهم وأنفع وحتى أصعب فى التحصيل من العلوم العقلية والنظرية والإنسانية كـ “الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس و العلوم الدينية والتاريخ … ”

والحقيقة أن مشكلة مشكلات هذا العصر هى اختفاء صناع الأفكار والقرارات المصيرية الصحيحة والرؤى المنضبطة لما ينبغى أن تكون عليه الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية…

وهؤلاء بالمناسبة ليسوا فيزيائيين ولا علماء فلك ولا مخترعين ولكنهم مفكرون وعلماء اجتماع وفلاسفة وعلماء دين…

أهمية العلوم العقلية

فـ العلوم العقلية والإنسانية أكثر أهمية من العلوم التطبيقية والتكنولوجية وذلك لسبب بسيط أن المفكر وعالم الدين والفيلسوف هو من سيضع القوانين لاستخدام ما يتم اكتشافه فى المجالات العلمية والتكنولوجية بشكل عادل ومنضبط،

فلا نجد كما هو حاصل الآن من احتكار للعلاج والاختراعات الحديثة والسلع الاستهلاكية ذات الجودة العالية من قبل رؤساء الأموال أو تدمير الطبيعة وتهديد ما عليها من كائنات أو تعامل مع المرأة كسلعة استهلاكية أو تدنى فى مستوى التعليم والأخلاق أو سوء إدارة وتخطيط فى مختلف المؤسسات…

فنحن الآن فى أشد الحاجة لمفكر أو فيلسوف أو عالم دين عقلانى يضع لنا رؤية منضبطة لما ينبغى أن يكون أكثر من احتيجنا لعالم فيزياء يفسر لنا ظواهر الطبيعة، بالطبع لا ننفى أهمية العلوم التطبيقية والتكنولوجية ولكننا نحاول وضع الأمور فى موضعها الصحيح…

غاية العلم الحقيقية

العلم لتغير العالم ولتغير الطريقة التى نراه بها، إما فكريا بتقديم فكر جديد يرتقى بالبشرية أخلاقيا ومعرفيا ويطور العلاقات ما بين البشر وبعضهم باختلاف ثقافاتهم وأعراقهم ودياناتهم عن طريق العلوم الإنسانية “فلسفة، علم اجتماع، علم نفس…

أو عن طريق العلوم التجريبة والتكنولوجية “فيزياء، كيمياء، علوم حاسب… التى تقدم للبشرية أكبر قدر من الإمكانيات والفرص لتسخير العالم المادى لنفع الإنسان…

أما عن من أراد العيش فى دائرة “هذا ما وجدنا عليه آباءنا” وهذا هو”السيستم” ولماذا نحاول مخالفة الواقع وما إلى ذلك من كلمات ليس لدى صاحبها إلا اليأس والخضوع والتسليم بالأمر الواقع

وليس من ضمن أهدافه أنه يضع بصمة فى التاريخ ولو بحجم إصبعه فعلا “معنويا أو ماديا”، فإنك فى الحقيقة تضيع وقتك وجهدك فى منظومة لن تلبى لك حقا ما تسعى إليه ما دام هدفك الحقيقى هو”المال والمكانة الاجتماعية”…

اقرأ أيضاً

هل كل خريج جامعة يعتبر متعلم ؟

هل كل ما نقرؤه في المجلات العلمية معلومات صحيحة؟

أنا لا أتذكر فلسطين!

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة