مقالاتقضايا شبابية - مقالات

جهاز كمبيوتر ووصلة إنترنت

لا شك أنَّ العصر الذي نعيشه الآن هو عصر يتسم بتداخل العلوم بجدارة، حيث بات من الصعب الفصل بين علم وآخر؛ وذلك بسبب استخدام غالبية العلوم بعض أدوات غيرها من العلوم الأخرى، سواء تم هذا الاستخدام في مرحلة كشف وإبداع النظريات والأفكار، أو في مرحلة تبريرها وتقديم البراهين عليها؛ ومن ثم سيطرت العلوم البينية على شتى المجالات البحثية الحديثة. ونتيجة لهذا التداخل الكبير؛ أصبح المؤهل الدراسي الذي يحصل عليه الشخص مؤهِلا للتقدُم لوظيفة ما، لكن ليس مؤهِلا لشغلها؛ فالخبرات والمهارات التي يكتسبها الفرد بالتجريب والتدريب والتعلم الذاتي، هي دون غيرها التي تجعل منه مؤهَلًا لشغل وظيفة ما، بل أحيانًا بعض الشركات الخاصة تتجاوز عن شرط المؤهل الدراسي في مقابل أن يكون الفرد ذا خبرات ومهارات تمكنه من تأدية مهام الوظيفة المطلوبة على أكمل وجه.

دعوة للتعلم الذاتي

فإذا افترضنا أنك رئيسٌ لشركة ما، وكانت في الشركة وظيفة شاغرة، وأعلنت الشركة أنها في حاجة لمن يشغلها، وتقدم لشغل هذه الوظيفة بعض الشباب، منهم من هو حاصل على مؤهله الدراسي من كُبرى الجامعات العالمية، وآخر حاصل على مؤهله الدراسي من جامعة محلية، الأول ليس لديه خبرات أو مهارات كافية، فقط المؤهِل الدراسي، أما الثاني فلديه من الخبرات والمهارات التي تمكن صاحبها من تأدية هذه الوظيفة وتطويرها وابتكار أساليب حديثة في حل مشكلاتها، أيهما ستختار؟

بالتأكيد العقلانية تقتضي أنك ستختار من يتسلح بالمهارات ويمتلك الخبرات الكافية التي تمكن صاحبها من تأدية مهام وظيفته على أكمل وجه، دون التقيد بشرط المؤهل؛ لأن الأخير هو الأقدر على تحقيق أهداف الشركة والحفاظ على مواردها دون غيره.

لا أكتب هذه الكلمات تقليلًا من قدر المؤهل الدراسي أو تفضيلًا لمؤهل دراسي على غيره، فكل مؤهل من المؤهلات الدراسية يمثل حلقة مهمة من حلقات سلسلة التكامل المعرفي البشري؛ إنما أكتبها دعوة للشباب للتعلم الذاتي والتسلح بعديد من المهارات العقلية والمهنية المختلفة إلى جانب المؤهل الدراسي، سواء كانت هذه المهارات في مجال المؤهل الدراسي أو في مجال عصري آخر يفضله الفرد، أو يحتاجه سوق العمل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنَّ رسالة كاتب هذه الكلمات واضحة وجلية، وإيجابية بصورة عامة؛ حيث يعتقد الكاتب أنَّ التعلم وتنمية المهارات الشخصية للفرد ولأبنائه في هذا العصر الرقمي، والبياناتي بشكل كبير لا يحتاج إلى كثير من المتطلبات الأساسية؛ فقط يحتاج إلى جهاز كمبيوتر ووصلة إنترنت، إلى جانب وعي ذاتي وعزيمة قوية. هذه الأشياء إذا حازها الفرد ودرَّب أبناءه عليها؛ فلن يكون هناك عائقًا كبيرًا أمامه يمنعه من تحصيل كثير من العلوم التي يرغب في تحصيلها، وتنمية كثير من المهارات التي يأمل في اكتسابها وإكسابها لأبنائه.

تجربة واقعية ملهمة:

هناك كثير من التجارب الواقعية الملهمة التي تروي قصص نجاح كثيرين ممن استخدموا شبكة الإنترنت في التعلم الذاتي، وفي التدريب، وفي إتقان مهارات مختلفة؛ مثل مهارات اللغة أو البرمجة أو الحرف اليدوية أو التصميم أو التدريب… إلخ.

وما أود أن أشير إليه هنا هو تجربة جميلة أعجبتني، صادفتها أثناء تصفحي لموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تتمثل هذه التجربة في قيام دكتور مصري يعيش في أمريكا بتبني مجموعة من الطلاب الذين يدرسون في واحد من المراكز الثقافية الإسلامية بأمريكا، حيث قام بتدريبهم وتعليمهم البرمجة وعلم الروبوتات إلى جانب دراستهم للعلوم الشرعية في المركز!

الجديد في الأمر أنَّ هذا الدكتور القدوة لاحظ الشغف الكبير من طلاب هذا الجيل بالألعاب الإلكترونية، ومدى اهتمامهم بها وقضاءهم كثير من الوقت في التسلي بها؛ ففكر في طريقة لتعليمهم علم نافع تجعل الطفل لا يفقد شغفه أثناء التعلم؛ فقام في البداية بتنمية مهارات البرمجة لدى الأطفال خلال تشجيعهم على تنزيل ألعاب معينة على هواتفهم الذكية وأجهزتهم اللوحية.

من خلال لعب هذه الألعاب الإلكترونية يتعلم الأطفال أسس البرمجة دون أن يعرف أنه يتعلمها. وعبر انتقال الطفل من مستوى إلى آخر داخل تطبيق اللعبة، وانتقاله إلى لعبة من مستوى أعلى وأخرى أكثر تعقيدًا يتعلم الطفل البرمجة دون أن يفقد شغفه ودون أن يصاب برهاب التعلم!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بإمكانك أن تكون من أفضل المبرمجين على مستوى العالم

وبعد أن تعلم الأطفال أسس البرمجة من خلال تطبيقات الألعاب الإلكترونية، قام هذا الدكتور القائد والموجه بالتواصل عبر الإنترنت ببعض المختصين في مجال البرمجة، وبدوره عرض عليهم أمر تبني هذا الفريق الصغير من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وخمسة عشر عامًا، وذلك للوصول بهم لمستوى متقدم في البرمجة وتصميم الروبوتات.
ظل هذا الفريق على تواصل مستمر مع شباب مختصين في الروبوتيكس من خلال الإنترنت لمدة تجاوزت أربعة أعوامًا بقليل، حتى تكللت مجهوداتهم بالنجاح في صناعة روبوت متقدم قادر على القيام ببعض المهام المعقدة بعض الشيء. ثم تقدم هذا الفريق إلى بعض المسابقات في هذا المجال، حتى توج هذا الفريق الأيام الماضية بالمركز الأول في مسابقة الروبوتيكس في نيومكسيكو.

ما أردت أن أؤكد عليه بعد كل ما تقدم، أنه يجب على كل فرد منَّا البحث عبر الإنترنت، عن أكثر الناس التي يمكن أن تفيده وتفيد أبناءه ويتابعهم جيدًا من خلال الإنترنت؛ فيجب أن نتعلم ونُعلم أبناءنا مهارات القرن الواحد والعشرين؛ لأن سوق العمل يتجه بقوة نحو أصحاب المهارات والعمل الحر. ومن بين أهم مهارات القرن الواحد والعشرين “مهارات البرمجة” فيجب علينا الاهتمام جيدًا بتعليم النشء البرمجة وتصميم الروبوتات.

فلكي تكون من أفضل المبرمجين على مستوى العالم بدون دراسة جامعية نظامية، ومن بيتك، فلا تحتاج سوى “جهاز كمبيوتر ووصلة إنترنت”.

اقرأ أيضاً:

هل كل خريج جامعة يعتبر متعلم؟

العلوم النظرية والعلوم التطبيقية.. أيهما أهم؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نحو معايير قومية لجودة التعليم والتعلم الإلكتروني

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب

مقالات ذات صلة