المشهد المعروف من الفيلم الكوميدي “سر طاقية الإخفاء” يقول فيه الممثل “توفيق الدقن” بعد أن أحكم قبضته على فريسته “العلبة دي فيها إيه؟” ثم يبدأ بزجر “عبد المنعم إبراهيم” ويخيفه بالضرب حتى يجعله يقر بحقيقة كاذبة وهى احتواء العلبة الصغيرة – التي لا تتسع لقطة رضيعة – على فيل.
– “فيها إيه”.
– “فيها فيل”.
كم مرة مر هذا المشهد أمامي مرور الكرام لم أتخيل نفسى مكان الفرد المغلوب على أمره ولو مرة في حين أننا قد نكون كلنا “عبد المنعم إبراهيم” حيث لا يقوم بدور المُسيطر هنا “توفيق الدقن”. فدور الشر قد يتجسد في الأشخاص التي نحيا معها والهيئات والدول.
كم من مرة أجبرت على الخضوع والاعتراف بحقيقة أنت تنكرها وتعلم وترى خلافها رأى العين.
مشاهد مختلفة من الحياة قد تؤلمك وتوجعك حتى تنكر الحقيقة والواقع. ثم تردد وتكرر مع القطيع وتلبى نداء من يمتلك القوة والسيطرة فتسمعه ما يُحب أن يُسمَع. فإذا ما بُوغتَّ متيقظَا “العلبة دى فيها إيه” قد تنطق “فيها فيل”.
بالطبع غريزة الخوف قد تتملكك هذا بشرى للغاية. وهو أمر غريزي إنساني مدفوع بغريزة حب البقاء. الأمر قد لا يتطلب كل ذلك العناء. هو يريد أن يسمع جملة معينة ليتلذذ بسيطرته. قد تقول داخل ذاتك حينها ما الذى سيضيرك إن قلتها فأرحته واسترحت. طالما لم ينطقها قلبك ولم تكتبها خلاياك بداخلك كحقيقة مطلقة وطالما تعلم أنك تدفع عن نفسك الضرر فلا ضير حينئذ.
يُعرَف ما يفعله المتجبر هنا باسم “حق القوة”. يعنى ذلك أن من يمتلك زمام المعركة ويسيطر في الحلبة ويمتاز بالغلبة يقوم بتحديد طبيعة الحقائق .فيصير ما يراه هو حقًا هو الحق السائد الذى يعمل على نشره تارةً، كذلك يُحِبُ أن يتلذذ بسماعه يَسرى على ألسنة الناس تارةً أخرى. ويصير سماعه لعكس تلك المعلومات كطنين الذباب في أذنه لا يطيقه ويتأفف منه كفأر ضاري يجرى على جسده.
فالذي يمتلك القوة ويؤمن بأحقيتها لا يتحمل أن يسمع أو يرى رأيًا مخالفًا لرأيه. فسماعه لذلك الرأي ولو من فرد واحد بين جماهير حاشدة. يعنى فقدانه لسيطرته على الجميع .أو أنه ليس سيد الغابة. فدائمًا ما كانت دنياه له غابة لا يستطيع إلا أن يكون أسدها. صوت واحد مخالف لمنطقه اللاحقيقي سيؤرق نومه وسيسعى بكل قوة لإخماده.
آفة ذلك علينا هو التأثر سواء بنظرة المتجبر أو بتعالي أصوات القطيع فإذا غاب الميزان الذى نزن به الأمور وتخافتت أصوات العقل بداخلنا ومن حولنا سنضل حتمًا. حينها قد يصبح الشيء ونقيضه واردًا. فتارة لا تتسع تلك العلبة إلا لخاتم صغير .وتارة أخرى تتسع لفيل.
وحينها قد يصبح 1+1 =8 بدلًا من اثنين وفى ليلة وضحاها في موقف آخر يتم التأكيد على أنها تساوى اثنان فقط..
سنعانى حينها من نسبية واضحة في المعايير وازدواجية في المواقف والسلوك. فالذي كان عدلًا اليوم سيصير غدًا ظلماً.
مصاديق ذلك منتشرة وموجودة على مدار التاريخ قد تدور في ذهن القارئ امثلة عدة من حقب تاريخية مختلفة ومن مناطق كثيرة حول العالم.
ويكفينا نموذج تمثيلي واحد فقط للتأمل. في العائلة مثلًا يقوم الأب بدور الراعي المنوط بحماية الأسرة والعمل على شئونها ولكن أحيانًا بدلًا من أن يستخدم أسوب المعلم والحكيم والمربى العادل مع الأبناء فقد نرى في المجتمع ذاك النموذج الذى يتعامل من منطلق حق القوة. فقد يحلل حرامًا أو يحلل حلالًا من منطلق أنه هو المتحكم في المال فقد يفرض على أبنائه ما لا يطيقون ولسان حاله أنا من أطعمكم وأكسيكم، أنا من أملك القوة وبدوني أنتم ضعفاء. وليس من منطلق الصواب والخطأ.
فهل الحق يسير مع القطيع أو يحدده من يملك القوة والغلبة أم الحق حق في ذاته؟